للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحديبية، على ثمد «١» قليل الماء، إنما يتبرضه «٢» الناس تبرضا، فلم يلبث أن نزحوه، فشكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم العطش، فانتزع سهما من كنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا.

بديل يتوسط بين رسول الله- صلّى الله عليه وسلم- وقريش:

ولما اطمأن رسول الله صلّى الله عليه وسلم جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة، وكانت خزاعة عيبة «٣» نصح لرسول الله صلّى الله عليه وسلم من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي، نزلوا أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل «٤» ، وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إنا لم نجىء لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشا قد أنهكتهم الحرب وأضرت بهم، فإن شاءوا ماددتهم، ويخلوا بيني وبين الناس، وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا، وإلا فقد جموا، وإن أبوا إلا القتال فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي، أو لينفذن الله أمره.

قال بديل: سأبلغهم ما تقول، فانطلق حتى أتى قريشا: إني قد جئتكم من عند هذا الرجل، وسمعته يقول قولا، فإن شئتم عرضته عليكم. فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تحدثنا عنه بشيء. وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته. قال: سمعته يقول كذا وكذا، فبعثت قريش مكرز بن حفص، فلما رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: هذا رجل غادر، فلما جاء وتكلم قال له مثل ما قال لبديل وأصحابه، فرجع إلى قريش وأخبرهم.

[رسل قريش:]

ثم قال رجل من كنانة- اسمه الحليس بن علقمة-: دعوني آته. فقالوا: آته. فلما أشرف على النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم هذا فلان، وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوها، فبعثوها له، واستقبله القوم يلبون، فلما رأى ذلك. قال: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء


(١) ثمد: حوض.
(٢) يتبرض: يأخذ منه القليل.
(٣) عيبة نصح الرجل: موضع سره.
(٤) استعار العوذ المطافيل للنساء مع أولادهن، والعوذ: الإبل حديثة النتاج، والمطافيل: التي معها أولادها.

<<  <   >  >>