للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعضهم يقتل بعضا غما، وكانوا نحروا البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة، ونحر رسول الله صلّى الله عليه وسلم جملا كان لأبي جهل، كان في أنفه برة من فضة، ليغيظ به المشركين، ودعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا بالمغفرة وللمقصرين مرة. وفي هذا السفر أنزل الله فدية الأذى لمن حلق رأسه بالصيام، أو الصدقة، أو النسك في شأن كعب بن عجرة.

[الاباء عن رد المهاجرات:]

ثم جاء نسوة مؤمنات فسأل أولياؤهن أن يردهن عليهم بالعهد الذي تم في الحديبية، فرفض طلبهم هذا، بدليل أن الكلمة التي كتبت في المعاهدة بصدد هذا البند هي: (وعلى أنه لا يأتيك منا رجل، وإن كان على دينك إلا رددته علينا) «١» فلم تدخل النساء في العقد رأسا. وأنزل الله في ذلك يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ حتى بلغ بِعِصَمِ الْكَوافِرِ، فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يمتحنهن بقوله تعالى يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً إلخ، فمن أقرت بهذه الشروط قال لها: قد بايعتك. ثم لم يكن يردهن.

وطلق المسلمون زوجاتهم الكافرات بهذا الحكم. فطلق عمر يومئذ امرأتين كانتا له في الشرك. تزوج بإحداهما معاوية، وبالأخرى صفوان بن أمية.

[ماذا يتمخض عن بنود المعاهدة:]

هذه هي هدنة الحديبية، ومن سير أغوار بنودها مع خلفياتها لا يشك أنها فتح عظيم للمسلمين، فقريش لم تكن تعترف بالمسلمين أي اعتراف، بل كانت تهدف استئصال شأفتهم، وتنتظر أن تشهد يوما ما نهايتهم، وكانت تحاول بأقصى قوتها الحيلولة بين الدعوة الإسلامية، وبين الناس، بصفتها ممثلة الزعامة الدينية والصدارة الدنيوية في جزيرة العرب، ومجرد الجنوح إلى الصلح اعتراف بقوة المسلمين، وأن قريشا لا تقدر على مقاومتهم، ثم البند الثالث يدل لفحواه على أن قريشا نسيت صدارتها الدنيوية وزعامتها الدينية، وأنها لا تهمها الآن إلا نفسها، أما سائر الناس وبقية جزيرة العرب فلو دخلت في الإسلام بأجمعها، فلا يهم ذلك قريشا، ولا تتدخل في ذلك بأي نوع من أنواع التدخل. أليس هذا فشلا ذريعا بالنسبة إلى


(١) صحيح البخاري ١/ ٣٨٠.

<<  <   >  >>