للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة من الثنية التي تطلعه على الحجون- وقد صف المشركون ينظرون إليه- فلم يزل يلبي حتى استلم الركن بمحجنه، ثم طاف، وطاف المسلمون، وعبد الله بن رواحة بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم يرتجز متوشحا بالسيف:

خلوا بني الكفار عن سبيله ... خلوا فكل الخير في رسوله

قد أنزل الرحمن في تنزيله ... في صحف تتلى على رسوله

يا رب إني مؤمن بقيله ... إني رأيت الحق في قبوله

بأن خير القتل في سبيله ... اليوم نضربكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله ... ويذهل الخليل عن خليله «١»

وفي حديث أنس فقال عمر: يا ابن رواحة بين يدي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفي حرم الله تقول الشعر؟. فقال له النبي صلّى الله عليه وسلم: «خل عنه يا عمر، فلهو أسرع فيهم من نضح النبل» «٢» .

ورمل رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمون ثلاثة أشواط، فلما رآهم المشركون قالوا: هؤلاء الذين زعمتم أن الحمى قد وهنتم، هؤلاء أجلد من كذا وكذا «٣» .

ولما فرغ من الطواف سعى بين الصفا والمروة، فلما فرغ من السعي، وقد وقف الهدي عند المروة، قال: «هذا المنحر وكل فجاج مكة منحر» . فنحر عند المروة وحلق هناك، وكذلك فعل المسلمون، ثم بعث ناسا إلى يأجج، فيقيموا على السلاح، ويأتي الآخرون فيقضون نسكهم ففعلوا.

وأقام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بمكة ثلاثا، فلما أصبح من اليوم الرابع أتوا عليا، فقالوا: قل لصاحبك: اخرج عنا، فقد مضى الأجل، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلم، ونزل بسرف فأقام بها.

ولما أراد الخروج من مكة تبعتهم ابنة حمزة، تنادي يا عم يا عم، فتناولها علي، واختصم فيها علي وجعفر وزيد، فقضى النبي صلّى الله عليه وسلم لجعفر، لأن خالتها كانت تحته.

وفي هذه العمرة تزوج النبي صلّى الله عليه وسلم بميمونة بنت الحارث العامرية، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلم قبل


(١) اضطربت الأشعار وترتيبها في الروايات فجمعنا بين شتيتها.
(٢) رواه الترمذي، أبواب الاستئذان والأدب، باب ما جاء في إنشاد الشعر ٢/ ١٠٧.
(٣) صحيح مسلم ١/ ٤١٢.

<<  <   >  >>