للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأوصاهم أن يأتوا مقتل الحارث بن عمير، وأن يدعوا من هناك إلى الإسلام، فإن أجابوا وإلا استعانوا بالله عليهم، وقاتلوهم، وقال لهم: «اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغيروا، ولا تقتلوا وليدا وليدا ولا امرأة، ولا كبيرا فانيا، ولا منعزلا بصومعة، ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة، ولا تهدموا بناء» «١» .

[توديع الجيش الإسلامي وبكاء عبد الله بن رواحة]

ولما تهيأ الجيش الإسلامي للخروج حضر الناس، ودعوا أمراء رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وسلموا عليهم، وحينئذ بكى أحد أمراء الجيش، عبد الله بن رواحة، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا، ولا صبابة بكم، ولكني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ آية من كتاب الله يذكر فيها النار وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا (١٩: ٧١) فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله بالسلامة، ودفع عنكم، وردكم إلينا صالحين غانمين، فقال عبد الله بن رواحة:

لكنني أسأل الرحمن مغفرة ... وضربة ذات فرغ «٢» تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة ... بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي «٣» ... أرشده الله من غاز، وقد رشدا

ثم خرج القوم، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم مشيعا لهم حتى بلغ ثنية الوداع، فوقف وودعهم «٤» .

[تحرك الجيش الإسلامي، ومباغتته حالة رهيبة:]

وتحرك الجيش الإسلامي في اتجاه الشمال حتى نزل معان، من أرض الشام، مما يلي الحجاز الشمالي، وحينئذ نقلت إليهم الاستخبارات بأن هرقل نازل بمآب من أرض البلقاء في مائة ألف من الروم، وانضم إليهم من لخم وجذام وبلقين وبهراء وبلي مائة ألف.


(١) نفس المصدر، ورحمة للعالمين ٢/ ٢٧١.
(٢) الفرغ: السعة.
(٣) الحدث: القبر.
(٤) بن هشام ٢/ ٣٧٣، ٣١٤، زاد المعاد ٢/ ١٥٦، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص ٣٢٧.

<<  <   >  >>