للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما كان عشية جاء فارس، فقال: إني طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن على بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم، فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقال: تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله، وتطوع للحراسة تلك الليلة أنس بن أبي مرثد الغنوي «١» .

وفي طريقهم إلى حنين رأوا سدرة عظيمة خضراء يقال لها ذات أنواط، كانت العرب تعلق عليها أسلحتهم، ويذبحون عندها ويعكفون، فقال بعض أهل الجيش لرسول صلّى الله عليه وسلم: اجعل لنا ذات أنواط، كما لهم أنواط. فقال: الله أكبر، قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال قوم موسى:

اجعل لنا إلها كما لهم آلهة، قال: إنكم قوم تجهلون، إنها السنن، لتركبن سنن من كان قبلكم «٢» .

وقد كان بعضهم قال نظرا إلى كثرة الجيش: لن نغلب اليوم، وكان قد شق ذلك على رسول الله صلّى الله عليه وسلم.

[الجيش الإسلامي يباغت الرماة والمهاجمين:]

انتهى الجيش الإسلامي إلى حنين ليلة الأربعاء لعشر خلون من شوال، وكان مالك بن عوف قد سبقهم، فأدخل جيشه بالليل في ذلك الوادي، وفرق كمناءه في الطرق والمداخل، والشعاب والأخباء والمضايق، وأصدر إليهم أمره بأن يرشقوا المسلمين أول ما طلعوا، ثم يشدوا شدة رجل واحد.

وبالسحر عبأ رسول الله صلّى الله عليه وسلم جيشه، وعقد الألوية والرايات وفرقها على الناس، وفي عماية الصبح استقبل المسلمون وادي حنين، وشرعوا ينحدرون فيه، وهم لا يدرون بوجود كمناء العدو في مضايق هذا الوادي فبيناهم ينحطون إذا هم تمطر عليهم النبال، وإذا كتائب العدو قد شدت عليهم شدة رجل واحد، فانشمر المسلمون راجعين، لا يلوي أحد على أحد، وكانت هزيمة منكرة، حتى قال أبو سفيان بن حرب، وهو حديث عهد بالإسلام: لا تنتهي هزيمتهم دون البحر- الأحمر- وصرخ جبلة أو كلدة بن الجنيد: ألا بطل السحر اليوم.


(١) انظر سنن أبي داود.
(٢) روى ذلك الترمذي.

<<  <   >  >>