للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشجار حتى تورمت شفاههم، واضطروا إلى ذبح البعير- مع قلتها- ليشربوا ما في كرشه من الماء، ولذلك سمي هذا الجيش جيش العسرة.

ومر الجيش الإسلامي في طريقه إلى تبوك بالحجر- ديار ثمود الذين جابوا الصخر بالواد، أي وادي القرى- فاستقى الناس من بئرها، فلما راحوا قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا تشربوا من مائها ولا تتوضأوا منه للصلاة. وما كان من عجين عجنتموه فاعلفوه الإبل، ولا تأكلوا منه شيئا» ، وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كانت تردها ناقة صالح عليه السلام.

وفي الصحيحين عن ابن عمر قال: لما مر النبي صلّى الله عليه وسلم بالحجر قال: «لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم؛ أن يصيبكم ما أصابهم، إلا أن تكونوا باكين» ، ثم قنع رأسه وأسرع بالسير حتى جاز الوادي «١» .

واشتدت في الطريق حاجة الجيش إلى الماء حتى شكوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فدعا الله، فأرسل الله سحابة فأمطرت حتى ارتوى الناس، واحتملوا حاجاتهم من الماء.

ولما قرب من تبوك قال: «إنكم ستأتون غدا إن شاء الله تعالى عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي» . قال معاذ: فجئنا وقد سبق إليها رجلان، والعين تبض بشيء من مائها، فسألهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «هل مسستما من مائها شيئا» ؟ قالا: نعم. وقال لهما ما شاء الله أن يقول، ثم غرف من العين قليلا حتى اجتمع الوشل، ثم غسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم فيه وجهه ويده، تم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير فاستقى الناس، ثم قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى هاهنا قد ملىء جنانا» «٢» .

وفي الطريق أو لما بلغ تبوك- على اختلاف الروايات- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تهب عليكم الليلة ريح شديدة، فلا يقم أحد منكم، فمن كان له بعير فليشد عقاله» ، فهبت ريح شديدة، فقام رجل فحملته الريح حتى ألقته بجبلي طيء «٣» .


(١) صحيح البخاري باب نزول النبي صلّى الله عليه وسلم الحجر ٢/ ٦٣٧.
(٢) رواه مسلم عن معاذ بن جبل ٢/ ٢٤٦.
(٣) نفس المصدر.

<<  <   >  >>