للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أوانه، فانقلبت لصالح المسلمين، وهكذا توسعت حدود الدولة الإسلامية، حتى لاقت حدود الرومان مباشرة، وشهد عملاء الرومان نهايتهم إلى حد كبير.

[الرجوع إلى المدينة:]

ورجع الجيش الإسلامي من تبوك مظفرين منصورين، لم ينالوا كيدا، وكفى الله المؤمنين القتال، وفي الطريق عند عقبة حاول اثنا عشر رجلا من المنافقين الفتك بالنبي صلّى الله عليه وسلم، وذلك أنه حينما كان يمر بتلك العقبة كان معه عمار يقود بزمام ناقته، وحذيفة بن اليمان يسوقها، وأخذ الناس ببطن الوادي، فانتهز أولئك المنافقون هذه الفرصة. فبينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم وصاحباه يسيران إذ سمعوا وكزة. القوم من روائهم، قد غشوه وهم ملتثمون، فبعث حذيفة فضرب وجوه رواحلهم بمحجن كان معه، فأرعبهم الله، فأسرعوا في الفرار حتى لحقوا بالقوم، وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأسمائهم، وبما هموا به، فلذلك كان حذيفة يسمى بصاحب سر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفي ذلك يقول الله تعالى وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا.

ولما لاحت للنبي صلّى الله عليه وسلم معالم المدينة من بعيد قال: هذه طلة، وهذا أحد، جبل يحبنا ونحبه، وتسامع الناس بمقدمه، فخرج النساء والصبيان والولائد يقابلن الجيش بحفاوة بالغة ويقلن «١» :

طلع البدر علينا ... من ثنيات الوداع

وجب الشكر علينا ... ما دعا لله داع

وكان خروجه صلّى الله عليه وسلم إلى تبوك في رجب وعوده في رمضان، واستغرقت هذه الغزوة خمسين يوما. أقام منها عشرين يوما في تبوك. والبواقي قضاها في الطريق جيئة وذهوبا. وكانت هذه الغزوة آخر غزواته صلّى الله عليه وسلم.

[المخلفون:]

وكانت هذه الغزوة- لظروفها الخاصة بها- اختبارا شديدا من الله تعالى، امتاز به المؤمنون من غيرهم. كما هو دأبه تعالى في مثل هذه المواطن، حيث يقول: ما كانَ اللَّهُ لِيَذَرَ


(١) هذا رأي ابن القيم وقد مضى البحث عليه في ص ١٧٢.

<<  <   >  >>