للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأن يترك المشركون بعض ما هم عليه، ويترك النبي صلّى الله عليه وسلم بعض ما هو عليه.

ولما رأى المشركون أن هذه الأساليب لا تجدي لهم نفعا في كف الدعوة الإسلامية، اجتمعوا وكونّوا لجنة أعضاؤها خمسة وعشرون رجلا، وبعد التشاور والتفكير اتخذت اللجنة قرارا حاسما:

أن لا تألوا جهدا في محاربة الإسلام، وفي إيذاء رسول الإسلام، وفي تعذيب الداخلين فيه.

فكان من الحكمة أن يكون للمسلمين مكان بعيد عن أعين المشركين يتعبدون فيه ربهم.

وكان من الحكمة تلقاء هذه الاضطهادات أن يمنع رسول الله صلّى الله عليه وسلم المسلمين عن إعلان إسلامهم قولا أو فعلا، وأن لا يجتمع بهم إلا سرا؛ لأنه إذا اجتمع بهم علنا فلا شك أن المشركين يحولون بينه وبين ما يريد من تزكية المسلمين وتعليمهم الكتاب والحكمة، وربما بفضي ذلك إلى مصادمة الفريقين، بل وقع ذلك فعلا في السنة الرابعة من النبوة، وذلك أن أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم كانوا يجتمعون في الشعاب، فيصلون فيها سرا، فرآهم نفر من كفار قريش، فسبوهم وقاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا فسال دمه، وكان أول دم أهريق في الإسلام «١» .

ومعلوم أن المصادمة لو تعددت وطالت لأفضت إلى تدمير المسلمين وإبادتهم، فكان من الحكمة الاختفاء، فكان عامة الصحابة يخفون إسلامهم وعبادتهم ودعوتهم واجتماعهم. أما رسول الله صلّى الله عليه وسلم فكان يجهر بالدعوة والعبادة بين ظهراني المشركين، لا يصرفه عن ذلك شيء، ولكن كان يجتمع مع المسلمين سرا؛ نظرا لصالحهم وصالح الإسلام، وكانت دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي على الصفا. وكانت بمعزل عن أعين الطغاة ومجالسهم، فكان أن اتخذها مركزا لدعوته، ولاجتماعه بالمسلمين من السنة الخامسة من النبوة «٢» .


(١) ابن هشام ١/ ٢٦٣، مختصر سيرة الرسول لمحمد بن عبد الوهاب ص ٦٠.
(٢) نفس المصدر الأخير، ص ٦١.

<<  <   >  >>