للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اثني عشر رجلا وأربع نسوة، رئيسهم عثمان بن عفان، ومعه السيدة رقية بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلّى الله عليه وسلم فيهما: إنهما أول بيت هاجر في سبيل الله بعد إبراهيم ولوط عليهما السلام «١» .

كان رحيل هؤلاء تسللا في ظلمة الليل- حتى لا تفطن لهم قريش- خرجوا إلى البحر، ويمموا ميناء شعيبة، وقيضت لهم الأقدار سفينتين تجاريتين أبحرتا بهم إلى الحبشة، وفطنت لهم قريش، فخرجت في آثارهم، لكن لما بلغت إلى الشاطيء كانوا قد انطلقوا آمنين، وأقام المسلمون في الحبشة في أحسن جوار «٢» .

[قصة الغرانيق:]

وفي رمضان من نفس السنة خرج النبي صلّى الله عليه وسلم إلى الحرم، وهناك جمع كبير من قريش، كان فيه ساداتها وكبراؤها، فقام فيهم، وأخذ يتلو سورة النجم بغتة، إن أولئك الكفار لم يكونوا سمعوا كلام الله قبل ذلك، لأن أسلوبهم المتواصل كان هو العمل بما تواصى به بعضهم بعضا، من قولهم لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٤١: ٢٦) فلما باغتهم بتلاوة هذه السورة، وقرع آذانهم كلام إلهي رائع خلاب- لا يحيط بروعته وجلالته البيان- تفانوا عما هم فيه، وبقي كل واحد مصغيا إليه، لا يخطر بباله شيء سواه، حتى إذا تلا في خواتيم هذه السورة قوارع تطير لها القلوب ثم قرأ فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٥٣: ٦٢) ثم سجد، لم يتمالك أحد نفسه حتى خر ساجدا، وفي الحقيقة كانت روعة الحق قد صدعت العناد في نفوس المستكبرين والمستهزئين، فما تمالكوا أن يخروا لله ساجدين «٣» .

وسقط في أيديهم لما أحسوا أن جلال كلام الله لوى زمامهم، فارتكبوا عين ما كانوا يبذلون قصارى جهدهم في محوه وإفنائه، وقد توالى عليهم اللوم والعتاب من كل جانب، ممن لم يحضر هذا المشهد من المشركين، وعند ذلك كذبوا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وافتروا عليه أنه عطف على أصنامهم بكلمة تقدير، وأنه قال عنها «تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى» ، جاءوا بهذا الإفك المبين، ليعتذروا عن سجودهم مع النبي صلّى الله عليه وسلم، وليس يستغرب هذا من قوم كانوا


(١) مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص ٩٢، ٩٣، زاد المعاد ١/ ٢٤، رحمة للعالمين ١/ ٦١.
(٢) رحمة للعالمين ١/ ٦١، زاد المعاد ١/ ٢٤.
(٣) روى البخاري قصة السجود مختصرا عن ابن مسعود وابن عباس، انظر باب سجدة النجم وباب سجود المسلمين والمشركين ١/ ١٤٦، وباب ما لقي النبي صلّى الله عليه وسلم وأصحابه من المشركين بمكة ١/ ٥٤٣.

<<  <   >  >>