للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقام عمر بتكثيف سياسته التعبوية بين قبائل الردة، وحثها على الانخراط في الجيش الذي سوف يقذف به إلى العراق، وأخذ يجمع كل قادر على حمل السلاح والقتال، ثم أمر جميع القبائل المقاتلة التي كانت مع خالد بن الوليد في السواد، وذهبت معه إلى الشام، بالعودة إلى العراق، والالتحاق بجيوش المسلمين هناك١.

وهكذا اجتمع لدى عمر بضعة آلاف مقاتل تدفقوا عليه من كافة أنحاء الجزيرة العربية، فعزم على قيادتهم بنفسه، فاستدعى عليًا بن أبي طالب، وسلمه أمور الخلافة، وخرج من المدينة وتوجه ناحية العراق٢، وقد فجر ترؤس عمر للجيش الإسلامي حماسًا عامًا بين وحداته القتالية، ووصل إلى صرار٣، وهو أول منازل السفر إلى العراق، وعسكر على ماء هناك٤.

ويبدو أن كبار الصحابة رأوا في ذهاب أمير المؤمنين إلى أرض المعركة بنفسه لا يتلاءم مع المصلحة العامة، فعرضوا عليه أن يبقى في المدينة، ويعين قائدًا للجيش الذاهب إلى العراق، وتقرر بعد التشاور تعيين سعد بن أبي وقاص قائدًا عامًا للحملة٥، وهو أحد الصحابة المقربين من النبي، والمشاركين في العمليات العسكرية الأولى بين المدينة ومكة، وكانت كفاءته والظروف الصعبة التي يمر بها المسلمون في العراق وراء اختياره لهذه المهمة، ومع ذلك، فقد أمسك الخليفة، بزمام أمور الحملة كلها على سبيل الحيطة، والحذر من واقع إرسال الأوامر والتوجيهات باستمرار إلى قائده تتعلق بتحركات الجيش، وإدارة المعركة وتقسيم العسكر وغيرها من الأمور، ولم يكن سعد يقدم على عمل دون توجيهاته الخاصة.

خرج سعد من المدينة على رأس أربعة آلاف مقاتل اصطحبوا معهم نساءهم وأبناءهم، قاصدًا العراق٦، وكان عمر يردفه بمن يتوافد على المدينة من المقاتلين، فوصل إلى زرود٧ وعسكر فيها٨.

كان المثنى آنذاك في ذي قار ينتظر قدوم سعد ليتقدما معًا إلى الحيرة، لكن مقامه لم يطل إذا توفي متأثرًا بجراحه التي أصيب بها في معركة الجسر، وكان قد كتب


١ الطبري: ج٣ ص٥٤٢، ٥٤٣.
٢ المصدر نفسه: ص٤٨٠.
٣ صرار: موضع على ثلاثة أميال من المدينة على طريق العراق، الحموي: ج٣ ص٣٩٨.
٤ الطبري: ج٣ ص٤٨١.
٥ البلاذري: ص٢٥٥.
٦ الطبري: ج٣ ص٤٨٥.
٧ زرود: موضع بين الثعلبية، والخزيمية بطريق الحاج من الكوفة، الحموي: ج٣ ص١٣٩.
٨ الطبري: ج٣ ص٤٨٦.

<<  <   >  >>