للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- لا تتصل المآخذ التي أخذت على خالد فيما يتعلق بتوزيع الغنائم، بإثراء غير مشروع، وإنما نتيجة قراراته المتسمة بالعناد، سواء أكان ذلك عائدًا إلى إخلاله بمبدأ المساواة أو؛ لأنه خص الشخصيات المرموقة، أو المقاتلين ذوي الشجاعة أنصبة أعلى، أو؛ لأنه تفرد باتخاذ قرارات مفصلية دون العودة إلى المدينة، وتوحي الروايات أن الخليفة كان هو القائد العام للمسلمين، وهو يدير العمليات العسكرية، من المدينة، بواسطة تبادل الرسائل مع قادته في ميادين القتال، وجاءت عملية العزل كمحاولة جدية لعمر لكي ينهي المحلية السائدة في عمليات الفتوح، ولكي يحصر القرار، والقيادة الفعلية في يد الخليفة، أي في يد المركز السياسي، لكن هل كان القادة في بلاد الشام يضطرون قبل اتخاذ كل قرار إلى الحصول على موافقة الخليفة مع بعد المسافة بين الحجاز، وأقصى بلاد الشام؟ قد يبدو ذلك واقعيًا بصدد القضايا الهامة، ولكن لا يبرر ذلك عزل خالد بسبب اتخاذه قرارات قبل العودة إلى الخليفة١، ويستوقفنا هنا قرار خالد بالزحف نحو بطاح بني تميم بعد أن انتهى من معركة البزاخة دون العودة إلى الخليفة، واحتجاج الأنصار على تصرفه.

- لا يمكن الركون إلى أي من هذه الدوافع المذكورة، وبخاصة إذا علمنا بأن عمر ترحم على خالد بعد وفاته، وأثنى عليه بكلمات تدل على الاعتذار، فقال: "رحم الله أبا سليمان، لقد كنا نظن به أمورًا ما كانت"٢، وقال أيضًا: "رحم الله أبا سليمان ما عند الله خير له مما كان فيه، ولقد مات سعيدًا، وعاش حميدًا، ولكن رأيت الدهر ليس بقائل"٣.

- يبقى أن مسألة العزل قد تكون لها دوافعها الخاصة المتعلقة بـ:

أ- مصلحة الأمة: فعزل قائد أو والِ أمرًا طبيعيًا آنذاك، ولم يكن تعيين أبي عبيدة إساءة إلى خالد بمقدار ما كان محاولة من الخليفة للتأثير بنفسه على مجريات الأمور.

ب- تغير الظروف السياسية من واقع تغيير الحكام.

ج- تغير الظروف العسكرية نتيجة توغل المسلمين في بلاد الشام، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من نظام جديد مثل فتح المدن، وتنظيم عمليات الفتح، والعلاقة مع سكان البلدان المفتوحة، إذ إن الوضع الجديد المتوقع بحاجة إلى رجل إداري، ومسالم


١ كلير: ص٣١٢.
٢ ابن كثير: ج٧ ص١١٧.
٣ المصدر نفسه: ص١١٨.

<<  <   >  >>