للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ييأس سقلار من التوصل إلى تفاهم مع أبي عبيدة، فأرسل إليه رسولًا خاصًا عرض عليه منح كل جندي مسلم دينارين مقابل الرحيل، فرفض أبو عبيدة هذا العرض أيضًا؛ لأن القضية لا تتعلق ببضعة آلاف من الدنانير أو الدراهم، وإنما هي قضية مبدأ ديني اعتقادي، عندئذ كان لا بد من الاشتباك العسكري لتقرير مصير الصراع١.

وعبأ الطرفان قواتهما استعدادًا للقتال، واشتبكا في رحى معركة ضارية انتهت بانتصار المسلمين، فقذفوا البيزنطيين في الوحول التي حاولوا هم قذفهم فيها، وهزم سقلار وجنوده، وقتل منهم ما يقارب العشرة آلاف مقاتل كان سقلار من بينهم، وتفرق من نجا في مدن الشام، ولحق بعضهم بهرقل في أنطاكية، وجرت المعركة في "٢٨ ذي القعدة ١٣هـ/ ٢٣ كانون الثاني ٦٣٥م"٢.

فتحت هذه المعركة الطريق أمام المسلمين، فسيطروا على جميع مدن، وقرى إقليم الأردن بسهولة مثل بيسان وطبرية، وأضحوا في رغد من الخصب، والعيش واضطر السكان إلى طلب الأمان، وكتبت عهود الصلح في كل مكان بمنح الأمان على أرواح المغلوبين، وأموالهم وأرضهم وكنائسهم، وأماكن عبادتهم مقابل الجزية٣.

الواقع أن البيزنطيين تعرضوا لنكسة أخرى أمام المسلمين الذين رجحت كفاءة فرسانهم أمام فرسان هؤلاء، كما أن وعي القيادة الإسلامية أفشلت الخطة التي وضعوها على أساس إرباك المسلمين، ومفاجأتهم، وارتكب سقلار خطأ عسكريًا جسيمًا عندما أهل بث العيون في معسكر المسلمين، مما حرمه من الحصول على معلومات ضرورية مساعدة، بالإضافة إلى ذلك، فإنه فقد خط الرجعة إلى بيسان حين أسند ظهره إلى مستنقعات الوحول التي أحدثها بتدمير السدود، وعندما حاول التراجع تحت ضغط القتال وقع جنوده في الوحول، فتعذر عليهم السير فيها، فكانوا هدفًا سهلًا للمسلمين.

معركة مرج الروم ٤:

عندما بلغت أخبار هزيمة الجيش البيزنطي في فحل -بيسان مسامع هرقل، عقد مجلسًا عسكريًا ضم معظم قادته للتشاور، ووفد عليه أثناء الاجتماع وفد من أهل قيسارية، وإيلياء -بيت المقدس- يخبرونه بتمسكهم بأمره، وبإقامتهم على طاعته


١ كمال: ص٣١٨-٣٢٧.
٢ البلاذري: ص١٢٢.
٣ المصدر نفسه: ص١٢٢، ١٢٣، الطبري: ج٣ ص٤٤٣، ٤٤٤.
٤ مرج الروم: هو سهل البقاع في لبنان.

<<  <   >  >>