للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- أن لا يكون من آل النبي، ولا من أكابر الصحابة، وذلك؛ لأن رسول الله كان لا يوليهم شيئًا من ذلك، إنه لا يريد أن يدنسهم بالعمل، فقد يرتكبون أخطاء لا يمكن السكوت عليها، فيقع الخليفة في الحرج من واقع إنزال العقاب المناسب بهم، وذلك لا يريده، أما السكوت عن تجاوزاتهم، وأخطائهم فهو أشد على عمر، ثم هناك الحاجة إلى مشورتهم وفقههم، لذلك فإنه لم يول عثمان بن عفان، أو عليًا بن أبي طالب، أو عبد الرحمن بن عوف، أو العباس بن عبد المطلب وغيرهم١.

- أن لا يكون المرشح حريصًا على الولاية، فقد أثر عن عمر أنه أراد تولية رجل على ولاية، فجاء الرجل يطلبها، فتوقف عمر عن ذلك ولم يوله؛ مقتديًا بذلك بالنبي، فإنه كان لا يولي أمرًا من طلبه ولو كان قادرًا، فطالب الولاية لا يولى٢.

- كان عمر يستشير إذا أراد أن يولي قائدًا أو أميرًا، من ذلك عندما ولى سعدًا بن أبي وقاص قيادة جيش المسلمين في العراق، استشار الناس، فأشاروا عليه بسعد٣، وكذلك حين أراد أن يولي قائدًا على أول جيش يبعث به إلى العراق مددًا للمقاتلين هناك، وبعد الاطلاع على مختلف الآراء، اختار أبا عبيد الثقفي، وهكذا نجد أن عمر كان قدوة في اختيار الولاة، فيوليهم ويعزل من يستحق العزل، ويثبت من يستحق ذلك.

- حرص عمر على اختيار ولاته، فإذا حدث أن اختار أحد الأشخاص يعطيه عهد التعيين الذي يتضمن شروطًا سلوكية مشهودًا عليها لينفذها خلال ولايته، وأهمها تطبيق حكم الله، وإحلال العدل ونشر الأمن، والطمأنينة بين الناس، وأن لا يركب برذونًا، ولعل هذا المنع يعود إلى الصفات الخلقية لهذه الدابة التي تبعث على الخيلاء، والكبر التي خشيها عمر على نفسه، فكيف على ولاته، وذلك خشية عليهم من الوصول إلى الخيلاء، والكبر التي قد تصبح صفة خلقية للوالي، وبخاصة أن له تجربة سابقة عندما قدم إلى بلاد الشام٤، ومنعهم من لبس الرقيق، وذلك بفعل حرصه على محافظة العمال على الأخلاق الإسلامية الرفيعة في المظهر، والمعروف أن لبس الرقيق من الثياب له دلالة على الإسراف والتمييز على الناس، وإذا حصل ذلك فإنه يؤدي إلى تعالي الحكام على غيرهم، وحقد الرعية عليهم، ومنعهم أيضًا من أكل النقي من الدقيق، وذلك لحرص عمر على مساواة الحكام بالمحكومين في


١ المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر: ج٢ ص٣٢١، ٣٢٢.
٢ انظر صحيح مسلم بشرح النووي: ج٢ ص٢٠٧، ٢٠٨.
٣ الطبري: ج٣ ص٤٨٠-٤٨٢.
٤ ابن الأثير: ج٢ ص٣٣٠، ٣٣١.

<<  <   >  >>