للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهيمنتها على القرار السياسي من واقع إعادة هيكلية، وتحديد وظيفة الخلافة وصلاحيات الخليفة على حساب دور القبائل ومنزلتها.

ويبدو أن أول ما وقع الاختلاف بين المعارضة، وعثمان حين خطأ بعضهم بعضًا في أشياء نقموها عليه، وكان المسلمون بعامة، قبل ذلك يختلفون في الفقه ولا يخطئ بعضهم بعضًا١.

والواضح أن هذه الظاهرة تعكس النوعية السياسية الجديدة التي حاول عثمان إحداثها في تاريخ الأمة الإسلامية، إذ إن الخلافات والمناقشات قبل أن يتسلم الخلافة، كانت تحدث في إطار واحد مشترك، وضمن هيكل اجتماعي متفق عليه من قبل جميع الأطراف، تمثل في الفقه فقط، أي في القضايا التنفيذية الإجرائية٢.

أما سياسة عثمان الإدارية والمالية، فعلى الرغم من أنها حافظت على النبي الاجتماعية التوزيعية، والتراتبية المنبثقة عن الفتوح٣، إلا أنها مست أمورًا رئيسية في النظام السياسي، وإن حافظت على القضايا الجوهرية مثل الفتوح، والموقف من المشروع الأساسي للمجتمع الإسلامي، وطرحت قضايا جديدة كانت موضوعًا للمناقشة، وخالفت سياسة عمر بن الخطاب في طريقة ترتيب الأمور، كما تبلورت في سياق استقرار الموجة الأولى للفتوح فارضة قضايا جوهرية، مثل الموقف من بيت المال، وتعيين الولاة واختيار قادة الأمة وغيرها، الأمر الذي أثار نفاشًا حادًا، وعلنيًا بين كبار الصحابة.

كانت النتيجة الحتمية لهذا التطور نشوء معارضة سياسية ضد الخليفة في ظاهرة لم تشهدها الأمة الإسلامية من قبل، وانزلق المسلمون في متاهة الفتنة، التي أدت إلى مقتل الخليفة.

والواقع أن قسمًا من الانتقادات التي ستوجه إلى عثمان، والتي سيجري التذكير بها لتعبئة الرأي العام، رد فعل لهيمنة الأمويين على مقدرات الخلافة، واستثارهم بالنفوذ، والسلطان مع تباطؤ الخليفة في العمل على الحد من اندفاعهم، أو محاسبتهم، وقد ظهرت الانتقادات في وسط الصحابة مبدئيًا، وهم الذين شعروا بأنهم المعنيون سياسيًا، ودينيًا أكثر من غيرهم بمصير الأمة الإسلامية، إلا أنهم تكتموا في البداية تجاه تجاوزات الأسرة الأموية، وسكوت الخليفة عنها، أما الذين


١ السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن: تاريخ الخلفاء ص١٢٧.
٢ إبراهيم: ص٢٣٨.
٣ جعيط: ص٦٠.

<<  <   >  >>