للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث بات مدفوعًا، أو مكرهًا على اتخاذ مواقف وقرار، كان عليه أن يعلن صراحة أنه ضد علي أو أن ينقاد له، فاختار المواجهة.

تغالي المصادر كثيرًا في طريقة تمكنه من إبعاده قيس بن سعد، وإخراجه من مصر بالترغيب والتهديد١، إذ إن كل شيء يعد صالحًا للوصول إلى الهدف، وكان المقصود زرع الشكوك في نفس علي حول ولائه، مما دفعه إلى التعليق حول ما يروج عن قيس من أخبار "إني والله ما أصدق بهذا عن قيس"٢.

والواضح أن خطة معاوية القاضية بإبعاد قيس عن مصر، كانت تسير نحو النجاح، من واقع رفض الوالي تنفيذ ما أمره به الخليفة من القضاء على حركة التمرد في خربتا، معللًا ذلك بأنهم وجوه أهل مصر وأشرافهم، ومن الرؤية جاء قرار عزله عن ولاية مصر٣.

اختار الخليفة رجلًا يثق به، هو الأشتر من مالك النخعي، وأحد كبار قادته وعينه واليًا على مصر خلفًا لقيس، ويبدو أنه أدرك الآن أهمية مصر، وأنها تشكل نقطة توازن مهمة في الصراع بينه وبين معاوية، دون أن يعني ذلك فقدان ثقته بقيس، لكن حادثة العزل صبت في مصلحة معاوية؛ لأن الأشتر توفي، مسمومًا على الأغلب، في القلزم وهو في طريقه إلى مصر لاستلام منصبه مما حرم عليًا من رجل قدير٤؛ لأن خلفه محمد بن أبي بكر الذي عينه علي اتصف بقصر النظر السياسي، والجهل بشئون الحكم، فارتكب أعمالًا أثارت المصريين، فتعثرت مهمته، ولم تؤد إلى سد الثغرة، بل أسهمت في توسيعها ممهدة لخروج مصر من سلطة الخلافة.

وسرعان ما وجد الوالي الجديد نفسه أمام مشكلة العثمانية في مصر، وفشل في تجاوزها، وسقط ضحيتها بعد تدخل مباشر من معاوية الذي انعتق من قيود الهدنة بعد معركة صفين، وتوطد مركزه من جراء التحكيم الذي جرى في شهر "محرم ٣٨هـ/ حزيران ٦٥٨م"، فراح يكشف عن مطامعه، ومطامحه لكي يقرر الاستيلاء على مصر علنًا.

والواقع أنه كان قد اتخذ قراره قبل ذلك، كما أن علاقته بالعثمانية قد باتت واضحة، إلا أن التنفيذ حصل في شهر "صفر ٣٨هـ/ تموز ٦٥٨م"، فأرسل قوة عسكرية مؤلفة من ستة آلاف مقاتل بقيادة عمرو بن العاص، توغلت في أرض مصر، وانضمت إليها العثمانية.


١ الطبري: ج٤ ص٥٥٠، ٥٥١.
٢ المصدر نفسه: ص٥٥٤.
٣ المصدر نفسه: ص٥٥٢، ٥٥٣.
٤ المصدر نفسه: ص٥٥٣

<<  <   >  >>