للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لكن كان على أبي بكر، قبل ذلك، أن يرسل جيش أسامة بن زيد إلى وجهته التي حددها له النبي قبل وفاته، وهي الإغارة على القبائل الشامية على الطريق التجاري بين مكة وغزة، والمعروف أن هذا الجيش كان معسكرًا في الجرف، من أرباض المدينة، حين توفي النبي وانتخب أبو بكر، فتوقف عن الزحف.

ويبدو أن أسامة أدرك حرج موقف الخليفة، والمسلمين في تلك المرحلة الدقيقة التي تتطلب تجميع القوى الإسلا مية وحشدها، وبخاصة أن جيشه البالغ سبعمائة مقاتل ضم غالبية المهاجرين والأنصار، ومن كان حول المدينة من القبائل.

وأبدى بعض الصحابة تحفظًا على إرسال هذا العدد الكبير من المقاتلين إلى خارج المدينة في ظل أجزاء ثورات القبائل والمرتدين، لكن أبا بكر أبى أن يخالف وصية النبي١، وأثبتت الأحداث أنه كان محقًا في إصراره؛ لأن في ذلك دلالات واضحة على قوة المدينة، وثقتها بنفسها، وساعد على رفع هيبتها في عيون القبائل.

وهكذا قامت سرية أسامة بتنفيذ مهمتها، وخلت المدينة في غضون ذلك، من المدافعين عنها باستثناء بضع مئات من المهاجرين والأنصار، والحقيقة أن أبا بكر أثبت في مواجهة هذا التحدي أنه رجل الدولة القوي، وصاحب القرار الجريء.

تعرض المدينة لجهوم القبائل:

الواقع أن خروج أسامة بن زيد بلاد الشام قد شتت القوة الإسلامية النامية، مما شجع الخارجين وبخاصة عبس، وذبيان على مهاجمة المدينة، فعسكروا حولها، وأرسلوا وفدًا إلى أبي بكر ليساوموه على موقفهم بعدم دفع الزكاة، وأطلعوا في غضون ذلك، على الوضع الداخلي في المدينة مما دفع أبا بكر إلى تنبيه المسلمين كي يأخذوا حذرهم٢.

انتهت المفاوضات بين الجانبين بالفضل بسبب التصلب في المواقف، فعاد أعضاء الوفد إلى معسكرهم، في حين قام أبو بكر بحشد القوى، وتدعيم دفاعات المدينة، وشن المحاصرون هجومًا ليليًا بعد ثلاثة أيام، غير أنهم لم يحققوا أي نصر على الرغم من قلة المدافعين، وارتدوا على أعقابهم٣.

كان لهذا الانتصار الإسلامي السريع عدة نتائج إيجابية لعل أهمها:

- ازداد المسلمون، في كل قبيلة، ثباتًا على دينهم.


١ الطبري: ج٣ ص٢٢٥، ٢٢٦.
٢ المصدر نفسه: ص٢٤٤، ٢٤٥.
٣ المصدر نفسه: ص٢٤٦.

<<  <   >  >>