للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونشأ إسماعيل، وأراد إبراهيم ذبح ابنه إسماعيل، وهو غلام يسعى، إيثارا لحبّ الله تعالى على حبّه، وتحقيقا لما رآه في المنام.

واستسلم إسماعيل لهذا الأمر ورضي به، وفداه الله بذبح عظيم «١» ، وسلّمه ليكون عون أبيه في الدعوة إلى الله، وليكون جدّ آخر نبيّ وأفضل الرسل، وجدّ أمة تضطلع بأعباء الدعوة إلى الله والجهاد في سبيلها.

وعاد إبراهيم إلى مكّة، واشترك الأب والابن في بناء بيت الله، وكان دعاؤهما أن يتقبّل الله هذا البيت، ويبارك فيه، وأن يعيشا على الإسلام، ويموتا عليه، ولا ينقطع بموتهما بل ترثه ذريّته، فتحتضنه، وتغار عليه، وتدعو إليه، وتؤثره على كلّ عزيز، فتنتشر هذه الدعوة في العالم، وأن يبعث الله فيها نبيّا من ذريّته، يجدّد دعوة جدّه إبراهيم، ويتمّ ما بدأه.

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨) رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: ١٢٧- ١٢٩] .

ودعا إبراهيم أن يظلّ هذا البيت آمنا دائما، وأن يسلّم الله أولاده من عبادة الأصنام، الّتي لم يكن هو أشدّ كراهة لشيء، ولا أكثر تقزّزا، ولا أخوف لشيء على ذرّيته منها.

فقد رأى مصير الأمم ومصير الأسر، بعد الأنبياء الذين بعثوا فيها، وبعد الجهود الجبّارة والدّعوات القويّة التي قاموا بها، وكيف أصبحت بعد


(١) [قال تعالى: وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ] ، سورة الصافات [الآية: ١٠٧] .

<<  <   >  >>