للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مكّة زمن البعثة وعند ظهور الإسلام

مكّة مدينة لا قرية:

يتخيّل كثير من النّاس ممّن لا علم لهم بأحوال العصر الذي كانت فيه البعثة، وليس لهم اطّلاع واسع على أيّام العرب وأخبارهم وشعرهم وعوائدهم، أنّ مكّة كانت قرية صغيرة، وكانت الحياة فيها في طور الطفولة العقلية والاجتماعية والحضارية، وكانت أشبه بمسكن للقبائل، فيه مضارب من الشّعر، تسود فيها حياة الخيام، وبين معاطن الإبل «١» ، ومرابض الغنم ومرابط الخيل، متناثرة في حواشي الوادي وشعاب الجبال، يتبلّغ أهلها ببلغة من العيش، ويتعيّشون على الخبز القفار «٢» أو لحم الإبل الذي لم يحسن شواؤه ولم يكمل استواؤه، ويلبسون اللباس الخشن الذي يتخذونه من أصواف الإبل وأوبارها، لا شأن لهم بتوسع في المطاعم والمشارب، أو تأنّق في اللباس، أو لين من العيش، ورقّة في الشّعور، وتوسّع في الخيال.

إنّ هذه الصّورة القاتمة لمكّة، لا تتفق مع الواقع التاريخيّ ومع ما تناثر في كتب التاريخ ودواوين الأدب والشعر الجاهليّ، من وصف مكّة وما كان عليه أبناؤها، في منتصف القرن السادس المسيحيّ من آداب وأعراف وعادات


(١) [معاطن الإبل: أي: مبرك الإبل عند الماء] .
(٢) [الخبز القفر والقفار: أي غير المأدوم (القاموس المحيط) ] .

<<  <   >  >>