للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأطلق عمرو بن العاص آخر سهم من سهام جعبته، وهو سهم مسموم، فغدا على النجاشيّ من الغد، وقال له: أيها الملك! إنّهم ليقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما، فأقبل الملك على المسلمين، فقال: ماذا تقولون في عيسى ابن مريم؟.

قال جعفر بن أبي طالب: نقول فيه ما جاء به نبيّنا صلى الله عليه وسلم هو عبد الله، ورسوله، وروحه، وكلمته، ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فضرب النجاشيّ بيده إلى الأرض فأخذ منها عودا، ثمّ قال: والله ما زاد عيسى ابن مريم على ما قلت مقدار هذا العود.

وردّ المسلمين ردّا كريما، وأمّنهم، وأمر بردّ هدايا رسولي قريش، وخرجا من عنده مقبوحين «١» ، فأقام المسلمون بخير دار مع خير جار.

وقد هاجم النجاشيّ عدوّ له، فانتصر المهاجرون المسلمون للنجاشيّ اعترافا بحسن موقفه من المهاجرين المضطهدين ومكافأته على حسن صنيعه «٢» ، وكان ذلك مطابقا لتعاليم الإسلام الخلقيّة ولائقا بأخلاق المسلمين.

وكانت هذه الهجرة إلى الحبشة سنة خمس بعد النبوّة، وقد بقي جعفر بن أبي طالب مع عدد من أصحابه إلى سنة ٧ من الهجرة، فقد قدم جعفر بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فكان بقاؤه في الحبشة خمس عشرة سنة، وهي مدّة طويلة، لا بدّ أنّ جعفرا قد انتفع بها في الدعوة إلى الإسلام، والتعريف به في بلد امتاز عن كثير من البلاد النصرانية بالتسامح وإيواء


(١) سيرة ابن هشام: ج ١؛ ص ٣٣٤- ٣٣٨ باختصار.
(٢) راجع «مسند الإمام أحمد بن حنبل» (١/ ٢٠٣) [و (٥/ ٢٩٠- ٢٩٢) ] .

<<  <   >  >>