للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نصرك» ويرفع يديه إلى السماء، حتّى سقط الرّداء عن منكبيه، وجعل أبو بكر رضي الله عنه- يسلّيه، ويشفق عليه من كثرة الابتهال «١» .

تعريف دقيق بالأمّة وتحديد لمركزها ورسالتها:

لقد شفع الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه العصابة المؤمنة في هذه الساعة الحاسمة الدقيقة، بالكلمة الوجيزة التي تجلّت فيها الثقة والاضطراب والسكينة والافتقار جنبا لجنب، فكانت أدقّ تعريف بهذه الأمة وأدق تحديد لمركزها ومكانتها بين الأمم، وقيمتها وغنائها في هذا العالم، والثغر الذي ترابط عليه، وهو الدعوة إلى الله وإخلاص الدين والعبادة له.

وقد أثبت الانتصار الرائع المعجز الذي أبطل كلّ تجربة، صدق هذه الكلمة ودقّتها، وأنّها كانت تصويرا دقيقا لهذه الأمّة «٢» .


(١) راجع «زاد المعاد» ، وكتب السيرة، ورواه في الصحيح [صحيح مسلم] في كتاب الجهاد والسير [ (باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر) [برقم (١٧٦٣) ، وأحمد في مسنده (١/ ٣٠) ] عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: «لما كان يوم بدر نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثلاثمئة وتسعة عشر رجلا، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ثم مد يديه، فجعل يهتف بربه: «اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آت ما وعدتني؛ اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض» .
(٢) ولمّا أجاب الله دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وقضى بانتصار المسلمين على عدوهم- على تفاوت واضح بين العدد والعدد- وبقائهم، فكان بقاء المسلمين مشروطا بقيام حياة العبودية بهم والدعوة إلى التوحيد الخالص، فلو انقطعت الصلة بينهم وبين الدعوة إلى التوحيد الخالص، وعبادة الله تعالى ورواجها وازدهارها في العالم، لم يبق على الله لهم حقّ وذمة، وأصبحوا كسائر الأمم، خاضعين لنواميس الحياة وسنن الكون. فكانت الدعوة إلى الله وحده وعبادته وتنفيذ أحكامه وشرائعه في العالم قيمة الأمة الإسلامية بين الأمم ودورها في العالم.

<<  <   >  >>