للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالوا: إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِراراً [الأحزاب: ١٣] .

وبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدّة، إذ جاءه نعيم بن مسعود الغطفانيّ، فقال: يا رسول الله! إنّي قد أسلمت، وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني ما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّما أنت فينا رجل واحد، فخذّل عنّا إن استطعت، فإنّ الحرب خدعة» .

فخرج نعيم بن مسعود، فأتى بني قريظة، وتكلّم معهم بكلام جعلهم يشكّون في صحّة موقفهم وولائهم لقريش وغطفان الذين ليسوا من أهل البلد، وعدائهم للمهاجرين والأنصار، الذين هم أهل الدار وجيرانهم الدائمون، وأشار عليهم بألّا يقاتلوا مع قريش وغطفان حتّى يأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونوا بأيديهم ثقة لهم، فقالوا له: لقد أشرت بالرأي.

ثمّ خرج حتى أتى قريشا، فأظهر لهم إخلاصه ونصيحته، وأخبرهم بأنّ اليهود قد ندموا على ما فعلوا، وسيطلبون منهم رجالا من أشرافهم تأمينا للعهد، وسيسلمونهم إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيضربون أعناقهم ثم خرج إلى غطفان وقال لهم مثل ما قال لقريش، فكان كلا الفريقين على حذر، وتوغّرت صدورهم على اليهود، ودبّت الفرقة بين الأحزاب، وتوجّس كلّ منهم خيفة من صاحبه «١» .

ولمّا طلب أبو سفيان ورؤوس غطفان معركة حاسمة بينهم وبين المسلمين تكاسل اليهود، وطلبوا منهم رهنا من رجالهم، فتحقّق لقريش وغطفان صدق ما حدّثهم به نعيم بن مسعود، وامتنعوا عن تحقيق طلبهم، وتحقق لليهود صدق حديثه كذلك، وهكذا تخاذل بعضهم عن بعض وتمزّق الشمل وتفرّقت الكلمة.


(١) [انظر خدعة نعيم بن مسعود وللأحزاب فيما أخرجه عبد الرزاق في مصنّفه مرسلا برقم (٩٧٣٧) ] .

<<  <   >  >>