للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان من صنع الله لنبيّه أن بعث الله على الأحزاب الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد، فجعلت تقلب قدورهم وتطرح أبنيتهم، وقام أبو سفيان، فقال: يا معشر قريش! إنّكم والله ما أصبحتم بدار مقام، لقد هلك الكراع والخفّ، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدّة الريح ما ترون، ما تطمئنّ لنا قدور، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا، فإنّي مرتحل.

وقام أبو سفيان إلى جمله وهو معقول، فجلس عليه، ثم ضربه فما أطلق عقاله إلّا وهو قائم.

وسمعت غطفان بما فعلت قريش، فانشمروا راجعين إلى بلادهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلّي، وأخبره حذيفة بن اليمان الذي أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا إلى الأحزاب ينظر له ما فعل القوم، ثمّ يرجع، فأخبره بما رأى «١» ، فلمّا أصبح انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة، وانصرف المسلمون ووضعوا السلاح «٢» ، وصدق الله العظيم:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً [الأحزاب: ٩] .

وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً [الأحزاب: ٢٥] .

ووضعت الحرب أوزارها، فلم ترجع قريش بعدها إلى حرب


(١) اقرأ القصة بطولها في صحيح مسلم [في كتاب الجهاد] ، باب «غزوة الأحزاب» [برقم (١٧٨٨) ، وفي مسند أحمد (٥/ ٣٩٢- ٣٩٣) من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه] .
(٢) اقرأ للتفصيل ابن كثير: ج ٣، ص ٢١٤- ٢٢١، رواية عن ابن إسحاق.

<<  <   >  >>