للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والحكمة الثانية في هذه الغزوة الجريئة، بل في هذه المغامرة الخطرة، هي إدخال الرّعب في قلوب القبائل العربية التي لم تدخل في الإسلام في جزيرة العرب، والقبائل العربيّة المنتصرة الخاضعة لنفوذ الإمبراطورية الرومانية، والتابعة لها، وإتاحة الفرصة لها للتفكير في أهميّة الدّين الإسلاميّ جدّيا، وأنّه ليس من الفقاقيع والنفاخات التي تعلو سطح الماء ثمّ تغيب، وأنّ له مستقبلا زاهرا، لعلّ ذلك يفتح لها الطريق في الدخول في الإسلام، الذي ظهر في أرضهم وبلادهم، وذلك ما أشار إليه القرآن بقوله في الذين خرجوا في هذه الغزوة:

وَلا يَطَؤُنَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ [التوبة: ١٢٠] .

وقد كان الروم لا يزالون يذكرون غزوة مؤتة التي لم يقضوا منها حاجة في نفوسهم ولم يشفوها، وقد أسفرت عن انسحاب كلّ فريق راضيا من الغنيمة بالإياب، وقد أضعفت رهبة الدولة البيزنطيّة وجيوشها الجرارة في نفوس العرب.

وبالجملة فقد كانت لهذه الغزوة أهميّة كبيرة في السيرة النبوية وتاريخ الدعوة الإسلامية، وتحقّقت منها غايات كانت بعيدة الأثر في نفوس المسلمين والعرب، ومجرى الحوادث في تاريخ الإسلام.

[زمن الغزوة:]

وكانت هذه الغزوة في رجب سنة تسع «١» ، غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حرّ


(١) إنّه من الصعب تحديد زمن غزوة تبوك؛ طبق التقويم الشمسي الميلادي، وتعيين الشهر الإفرنجي الذي كان فيه الخروج من المدينة إلى تبوك، وقد جعل بعض مؤلفي السيرة شهر-

<<  <   >  >>