للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البشريّة التي تقوم على أساس الإيمان والعقيدة والحبّ والعاطفة.

وقد صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذب الناس، وشهدوا على أنفسهم، حين برّأها المنافقون.

يقول كعب بن مالك في حديثه البليغ الطويل:

«جاءه المخلّفون، فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم، وبايعهم واستغفر لهم، ووكّل سرائرهم إلى الله، فجئته وسلّمت عليه، فلمّا سلّمت عليه، تبسّم تبسّم المغضب، ثمّ قال: تعال، فجئت أمشي، حتّى جلست بين يديه فقال لي: ما خلّفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك.

فقلت: بلى والله؟ إنّي والله لو جلست عند غيرك من أهل الدّنيا، لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلا، ولكنّي والله لقد علمت لئن حدّثتك اليوم حديث كذب ترضى به عنّي، ليوشكنّ الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدّثتك حديث صدق تجد عليّ فيه، إنّي لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي من عذر، لا والله ما كنت أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنك» .

وجاءت الساعة الرهيبة، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامهم، وما كان من المسلمين إلا السّمع والطاعة، فاجتنبهم الناس وتغيّروا لهم، حتّى تنكّرت في نفوسهم الأرض، فما هي التي يعرفونها، ولبثوا على ذلك خمسين ليلة، فأمّا مرارة بن الرّبيع وهلال بن أميّة، فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا كعب بن مالك، فكان أشبّ الثلاثة وأجلدهم، وكان يخرج فيشهد الصلاة مع المسلمين، ويطوف في الأسواق، ولا يكلّمه أحد «١» .


(١) مقتبس من حديث كعب بن مالك نصه وهو يصور الحال ويذكر القصة [قد سبق تخريجه قبل-

<<  <   >  >>