للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده- على يقين بأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مودّعهم في يوم من الأيام، ومفارق لهذا العالم الفاني، وراجع إلى ربّه، ليجزيه الجزاء الأوفى، فلمّا نزلت: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فهم منها الصحابة أنّه إيذان بدنوّ ساعة الفراق، فقد تمّت المهمّة، وجاء نصر الله والفتح «١» .

وقد استشعر كبار الصحابة وفاته حين نزلت الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ «٢» .

الشوق إلى لقاء الله وتوديع الدّنيا:

وقد ظهر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما عاد من حجّة الوداع التي أشار فيها إلى دنوّ أجله «٣» ، ما يدلّ على التأهّب للسفر، واللحوق بالرفيق الأعلى، فصلّى على قتلى أحد، كأنّه مودّع أصحابه عن قريب- بعد ثماني سنين- كالمودّع للأحياء والأموات، ثمّ طلع المنبر، فقال: «إنّي بين أيديكم فرط «٤» ، وأنا عليكم شهيد، وإنّ موعدكم الحوض، وإنّي لأنظر إليه من مقامي هذا، وإنّي


(١) يقول ابن عباس: «هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له» ، وروى الإمام أحمد. [١/ ٤٤٩] بسند عن ابن عباس، قال: لما نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعيت إليّ نفسي» [وأخرجه عبد الرزاق في المصنّف (١١/ ٣١٨) برقم (٢٠٦٤٦) ، والطبراني في الكبير (١٠/ ٦٧) برقم (٩٩٧٠) ، وأحمد في المسند (١/ ٤٤٩) من حديث عبد الله بن مسعود] . راجع تفسير ابن كثير.
(٢) راجع «السيرة النبوية» لابن كثير: ج ٤، ص ٤٢٧.
(٣) أخرج مسلم في صحيحه [في كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة..، برقم (١٢٩٧) ] عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف عند جمرة العقبة وقال لنا: «خذوا عني مناسككم فلعلّي لا أحجّ بعد عامي هذا» .
(٤) [فرط: يقال: فرط يفرط، فهو فارط وفرط؛ إذا تقدّم وسبق القوم ليرتاد لهم الماء، ويهيّىء لهم الدّلاء والأرشية] .

<<  <   >  >>