للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمضيت في البلاد مجاهدا في سبيلك» «١» .

أمّا اليونان والرّومان، وأهل إيران، فقد اعتادوا مجاراة الأوضاع، ومسايرة الزمان، لا يهيجهم ظلم، ولا يستهويهم حقّ، ولا تملكهم فكرة ودعوة، ولا تستحوذ عليهم استحواذا يتناسون فيه أنفسهم، ويجازفون فيه بحياتهم ولذّاتهم.

وكان العرب بمعزل عن أدواء المدنية والترف، التي يصعب علاجها، والتي تحول دون التحمس للعقيدة والتّفاني في سبيلها.

وكانوا أصحاب صدق وأمانة وشجاعة، ليس النّفاق والمؤامرة من طبيعتهم، وكانوا مغاوير حرب «٢» ، وأحلاس خيل «٣» ، وأصحاب جلادة وتقشّف في الحياة، وكانت الفروسية هي الخلق البارز الذي لا بدّ أن تتصف به أمة تضطلع بعمل جليل، لأنّ العصر كان عصر الحروب والمغامرات، والفتوّة والبطولة.

وكانت قواهم العملية والفكرية، ومواهبهم الفطرية، مذخورة فيهم، لم تستهلك في فلسفات خيالية، وجدال عقيم «بيزنطيّ» ومذاهب كلامية دقيقة، وحروب إقليمية سياسية، فكانت أمّة بكرا، دافقة بالحياة والنشاط، والعزم والحماس.

وكانوا أمّة نشأت على الهيام بالحريّة والمساواة، وحبّ الطبيعة، والسّذاجة، لم تخضع لحكومة أجنبية، ولم تألف الرقّ والعبودية، واستعباد الإنسان للإنسان، ولم تتمرّس الغطرسة الملوكيّة الإيرانية أو الرّومانية،


(١) الكامل: لابن الأثير، ج ٤، ص ٤٦.
(٢) [أي المقاتلون الكثير والغارات على الأعداء] .
(٣) [أحلاس الخيل، أي: ملازمون لظهورها أو رياضتها] .

<<  <   >  >>