للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واحتقارها للإنسان والإنسانية، فكان الملوك في إيران- المملكة المجاورة للجزيرة- فوق مستوى الإنسان والإنسانيّة، فكان الملك إذا احتجم، أو فصد له، أو تناول دواء، كان ينادى في النّاس ألا يمارس إنسان من رجال البلاط، أو سكّان العاصمة عملا، ويكفّوا عن كلّ صناعة أو ممارسة لنشاط «١» ، وإذا عطس فلا يسوغ لأحد من رعاياه أن يدعو له، وإذا دعا أن يؤمن عليه، لأنّه فوق مستوى البشر، وإذا زار أحدا من وزرائه أو أمرائه في بيته كان يوما مشهودا خالدا يؤرّخ به في رسائله ويصبح تقويما جديدا، ويعفى من الضريبة إلى مدة معينة، ويتمتع باستثناءات أو مسامحات وتكريمات، لأنّ الملك شرّفه بالزيارة «٢» .

هذا فضلا عن الآداب الكثيرة التي يتقيّد بها رجال البلاط، وأركان الدولة، وأفراد الشعب، ويحافظون عليها محافظة دقيقة، من الوقوف بحضرته، والتكفير له «٣» ، وقيام كقيام العباد أمام الرّبّ في الصّلوات، وهو تصوير حال كانت عليه إيران السّاسانية في عهد أفضل ملوكها بالإطلاق، وهو كسرى الأول المعروف بأنوشيروان العادل (٥٣١- ٥٧٩ م) فكيف في عهد الملوك الذين اشتهروا في التاريخ بالظلم والعسف والجبروت؟

وقد كانت حرّيّة إبداء الرّأي والملاحظة- فضلا عن النقد- مفقودة تقريبا


(١) إيران في عهد الساسانيين: ص ٥٣٥- ٥٣٦.
(٢) المصدر نفسه: ص ٥٤٣.
(٣) كفر له: خضع بأن يضع يده على صدره ويطأطىء رأسه ويتطامن تعظيما، وكانت عادة متبعة في إيران. ومن هنا شاع هذا التعبير؛ ودخل في لغة العرب؛ جاء في «لسان العرب» والكفر تعظيم الفارسي لملكه والتكفير لأهل الكتاب أن يطأطىء أحدهم رأسه لصاحبه كالتسليم عندنا، وقال في شرح شطر بيت لجرير: فضعوا السلاح وكفروا التكفيرا؛ كما يكفر العلج للدهقان يضع يده على صدره ويتطامن له ( «لسان» ج ٧، ص ٤٦٦ مادة كفر) .

<<  <   >  >>