للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى عليه وسلم) وكذا غيره من الأنبياء عليهم السلام (من الموحّدين) أي المسلمين (ثمّ تاب عن ذلك لم تزل) من الإزالة أي لم ترفع (توبته عنه القتل) وهو معنى قول القابسي وابن أبي زيد (وكذلك قد اختلف) أي اختلف المالكية (في الزّنديق إذا جاء تائبا) من قبل نفسه من غير استتابة والجاء إليها (فَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ فِي ذلك) أي في مجيئه تائبا (قولين، قال) أي ابن القصار (من شيوخنا من قال أقتله) أي احكم بقتله (بإقراره) بأنه كان زنديقا أو شاتما ثم جاء تائبا (لِأَنَّهُ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ نَفْسِهِ فَلَمَّا اعترف خفنا) أي ظننا ومنه قوله تعالى إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما (أنّه خشي الظهور) أي الاطلاع (عليه) بأن يجدوا الزندقة لديه (فبادر لذلك) بالتوبة وهذا له وجه في الجملة إذا كان لبعض الناس إطلاع على حاله (وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَقْبَلُ تَوْبَتَهُ لِأَنِّي أَسْتَدِلُّ على صحّتها) أي صحة توبته (بمجيئه) تائبا من قبل نفسه (فَكَأَنَّنَا وَقَفْنَا عَلَى بَاطِنِهِ بِخِلَافِ مَنْ أَسَرَّتْهُ البيّنة) أي أخذته وقيدته (قال القاضي أبو الفضل وهذا) القول الأخير (قول أصبغ) أي ابن الفرج فقيه مصر من شيوخ البخاري (ومسألة سابّ النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم أقوى) أي أشد من مسألة الزنديق فإنها من حق الله تعالى وهو مبنى على المسامحة فقيه الخلاف في الجملة بخلاف الساب فأنه (لا يتصوّر فيها الخلاف) في مذهب مالك (على الأصل المتقدّم) على ذلك (لأنّه) أي سبه (حقّ متعلّق للنّبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم ولأمّته بسببه لا تسقطه التّوبة كسائر حقوق الآدميّين) وفيه أن حق الله هنا أيضا متعلق للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وجميع أمته (والزّنديق) وهو الثنوي أو القائل ببقاء الدهر أو المسر للكفر وهذا المعروف عند الفقهاء (إِذَا تَابَ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فَعِنْدَ مَالِكٍ واللّيث) أي ابن سعد (وإسحاق) أي ابن راهويه (وأحمد) أي ابن حنبل (لا تقبل توبته) أي ظاهرا فلا تسقط عنه القتل (وعند الشّافعيّ تقبل) توبته ولا يقتل (واختلف فيه عن أبي حنيفة) وهو الإمام الهمام (وأبي يوسف) أحد اتباعه من الاعلام والمعتمد ما في قاضيخان وأما الزنادقة فأخذ الجزية منهم بناء على قبول التوبة من الزنادقة فإنهم قالوا إن جاء الزنديق قبل أن يؤخذ فأقر انه زنديق فتاب من ذلك قبلت توبته وإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ويقتل لأنهم باطنية يظهرون شيئا ويعتقدون في الباطن خلاف ذلك فيقتلون ولا تؤخذ منهم الجزية ولا تقبل توبتهم انتهى وأبو حنيفة ترجمته كثيرة ومناقبه شهيرة وأما أبو يوسف فهو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب بن خنيس بي سعد بن احبتة بحاء مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة ومثناة فوقيه مفتوحة وهي أمه وهو سعد بن بحير بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة وقيل سعد بن بجير بضم الموحدة وفتح الجيم وذكر القولين الأمير في إكماله وقال الذهبي سعد بن بجير البجلي حليف الأنصار روي أنه قاتل يوم الخندق وأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مسح رأسه وقال أسعد الله جدك ومن ولده القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وقد روي عن عطاء بن السائب وهشام بن عروة وغيرهما وكان أبو يوسف من أهل الكوفة فقيها عالما روى عنه محمد بن الحسن الشيباني وبشر بن الوليد الكندي وعلي بن الجعد وأحمد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>