للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فسميت العامة باسمه لأجل الشبه الحاصل بينهما في الارتكاب أي يتبع بعضهم بعضا من غير فائدة ولا منفعة وإنما هم يقبلون لا لشيء ويدبرون لا لشيء (مع عجيب شمائله) أي أخلاقه العجيبة (وبديع سيره) بكسر ففتح جمع سيرة أي سيرة الغريبة (فضلا) مصدر لفعل محذوف يقع متوسطا بين نفي وإثبات لفظ ومعنى فالمعنى لم ينل أحد عقله يفضل فضلا (عمّا أفاضه) أي زيادة عما أبداه وبينه وأذاعه وأفشاه (من العلم) أي اعتقاديا وعمليا (وقرّره) أي أثبته وحرره (من الشّرع) بيان لما أفاضه وقرره وذلك كله (دون تعلّم سبق) أي له من غيره (ولا ممارسة) أي ملازمة (تقدّمت) أي منه لشيء من ذلك (ولا مطالعة للكتب منه لم يمتر) من الامتراء وهو جواب الشرط أي لم يشك (في رجحان عقله وثقوب فهمه) بضم المثلثة أي في سرعة دركه (لأوّل بديهة) أي في أول وهلة بدون تفكر ومهلة فكأنه يثقب العلم بقوة فهمه كما يثقب النجم الظلام بقوة ضوئه، (وهذا) أي ما ذكر (ممّا لا يحتاج إلى تقريره) أي ذكره وتحريره (لتحقّقه) وفي نسخة لتحققه أي لظهور تحققه وثبوت أمره عقلا ونقلا، (وقد قال وهب بن منبه) بتشديد الموحدة المكسورة وهو تابعي جليل من المشهورين بمعرفة الكتب الماضية روى عن ابن عباس وغيره من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وروى عنه ابن دينار وعوف الأعرابي وآخرون واتفقوا على توثيقه ويقال إنه ما وضع جنبيه على الأرض ثلاثين سنة وكان يقول لأن أرى في بيتي شيطانا أحب إلي من أن أرى وسادة لأنها تدعو إلى النوم وله إخوة منهم همام بن منبه وعمر بن منبه وهم من ابناء الفرس الذين بعث بهم كسرى إلى اليمين (قرأت في أحد وسبعين كتابا) أي من كتاب الله المنزلة وفي معارف ابن قتيبة قرأت من كتيب الله اثنين وَسَبْعِينَ كِتَابًا (فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله تعالى عليه وسلم أرجح النّاس) أي الخلق (عقلا وأفضلهم رأيا) أي تدبيرا ناشئا من العقل الكامل الذي ينظر في بدء الأمر ودبره وأوله وآخره وقيل الرأي رأي القلب وهو ما رآه من حالة حسنة (وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَوَجَدْتُ فِي جَمِيعِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعْطِ جَمِيعَ النَّاسِ مِنْ بَدْءِ الدُّنْيَا إِلَى انْقِضَائِهَا مِنَ الْعَقْلِ فِي جنب عقله صلى الله تعالى عليه وسلم إلّا كحبّة) أي لم يعطهم جميعا منه شيئا نسبته إلى عقله إلا كنسبة حبة (رمل من بين رمال الدّنيا) أي بالنسبة إلى رمالها وهو من باب تشبيه المعقول بالمحسوس والظاهر أنه كان أفضلهم رأيا في الأمور الدينية وكذا في الأعمال الدنيوية باعتبار الأكثرية أو حالة جزمه بالقضية فلا ينافيه حديث البخاري أنه صلى الله تعالى عليه وسلم رأى أهل المدينة يأبرون النخل بكسر الباء وضمها فسألهم عنه فقالوا كنا نفعله فقال لعلكم لو لم تفعلوا لكان خيرا فتركوه ففسد ذلك العام فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مثلكم فإذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه وإذا أمرتكم بشيء من رأيي أي مع تردد فيه وعدم جزم بحسنه فإنما أنا بشر أخطئ وأصيب أي في غير ما أوحى إليه وحيا جليا أو خفيا كما أشار إليه قوله تَعَالَى قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ الآية (وقال مجاهد) أي كما رواه عنه ابن المنذر والبيهقي مرسلا بلفظ (كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. إذا قام في

<<  <  ج: ص:  >  >>