للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي عنك أو على بعدك (ومعانيها متقاربة) أي وإن كانت حقائق مبانيها متباينة، (وأمّا العفو فهو ترك المؤاخذة) وأصله المحو ثم استعمل في معنى المجاوزة عن مجازاة المعصية وهو مصدر وليس كما قال الدلجي إنه من أبنية المبالغة (وهذا) أي ما ذكر من الأخلاق الكريمة (كلّه) أي جميعه على الحالة المستقيمة (مِمَّا أَدَّبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ نَبِيَّهُ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم) كما ورد عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أدبني ربي فأحسن تأديبي (فقال) أي من جملة ما أدبه به سبحانه وتعالى (خُذِ الْعَفْوَ) أي المساهلة والمسامحة (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ [الأعراف: ١٩٩] ) أي بالمعروف من حسن المعاشرة (الآية) أي وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ بالمجاملة وحسن المعاملة وترك المقابلة كما قال تعالى وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً أي سلام الموادعة الذي فيه السلامة من المواقعة وقد قيل ليس في القرآن آية اجمع لمكارم الأخلاق منها، (روي) أي كما في تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم وأبي الشيخ في مكارم الأخلاق وابن أبي الدنيا مرسلا ووصله ابن مردويه (أنّ النّبيّ صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ) يعني خذ العفو إلى آخرها (سأل جبريل عليه السّلام) قيل جبر وميك اسمان اضيفان إلى إيل أو آل وهما اسمان لله تعالى ومعنى جبر وميك عبد بالسريانية ورده أبو علي الفارسي بأنهما لا يعرفان من أسماء الله سبحانه وتعالى وبأنه لو كان كذلك لم ينصرف آخر الاسم في وجوه العربية وكان آخره مجرورا أبدا كعبد الله قال النووي وهذا الذي قاله هو الصواب انتهى وفي جبريل اربع قراءات وتسع لغات (عن تأويلها) أي تحقيق تفسيرها (فقال له) أي جبريل (حتّى أسأل العالم) أي الحقيقي الذي هذا كلامه ولم يعرف غيره حقيقة مراده ومرامه فصاحب البيت أدرى بما فيه من بيان مبانيه وتبيان معانيه (ثمّ ذهب وأتاه) أي بعد سؤاله إياه (فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عمّن ظلمك وقال) أي الله تعالى (له) أي للنبي عليه الصلاة والسلام حكاية عن وصية لقمان لابنه يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ (وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ [لقمان: ١٧] ) أي من أنواع المحن وأصناف الضرر خصوصا من جهة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الآية) أي أن ذلك من عزم الأمور أي من مفروضاتها وواجباتها التي لا رخصة في إهمالها لأرباب كمالها (وقال تعالى: فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ) أي أصحاب اثبات والحزم (مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: ٣٥] ) إما بيانية وإما تبعيضية وهو المشهور وعليه الجمهور وهم الخمسة المجتمعة في آية مختصة وهي قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وقدم صلى الله تعالى عليه وسلم لما أنه في الرتبة قد تقدم وقيل هم الصابرون على بلاء الله فنوح صبر على أذى قومه كانوا يضربونه حتى يغشى عليه وإبراهيم صبر على النار وذبح ولده والذبيح على ذبحه ويعقوب على فقد ولده وبصره ويوسف على الجب والسجن والرق وأيوب على الضر وموسى على محن قومه وداود على قضيته وبكائه أربعين سنة على خطيئته وعيسى على

<<  <  ج: ص:  >  >>