للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه وتعالى عن الملائكة بقوله وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ وقال معتذرا لو دنوت انملة لاحترقت (فانقطعت الأصوات عنّي) أي بعد مفارقة جبريل مني وحصل الرعب والوحشة في قلبي (فسمعت كلام ربّي وهو يقول ليهدأ) بكسر لام الأمر ففتح فسكون ففتح فهمز ساكن أي ليسكن (روعك) بفتح الراء أي فزعك وإن روي بضم الراء فالمعنى ليطمئن نفسك فإني معك وأصل الروع بالضم القلب ومنه الحديث نفث جبريل في روعي فيحتمل أنه ذكره لأنه محل الروع فسمي باسم ما حل فيه أو سمي كله باسم القلب الذي فيه الروع فسمي باسم بعضه (يا محمّد ادن) بضم همزة ونون أمر من الدنو (ادن) كرر للتأكيد وإفادة زيادة القرب والتأييد فالدنو بالنسبة إليه صلى الله تعالى عليه وسلم دنو رتبة وقربة ومكانه لا دنو مكان ومسافة ومساحة أو المراد الدنو إلى عرشه المحيط بعلو العالم وفرشه. (وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الْإِسْرَاءِ نَحْوٌ مِنْهُ) أي موقوفا عليه أو مرفوعا عنه فإن صح رفعه وكذا وقفه لأنه يعطى حكمه فلا كلام فيه مع أنه يمكن الجمع بأن ما أوحي إليه من الوحي الجلي وهو القرآن المبين فلا يكون إلا بواسطة جبريل الأمين كما قال تعالى نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ وما أوحي إليه من الوحي الخفي فهو بلا واسطة أحد وبلا تقييد لغة كما هو قضية الإلهام مما لا يخفى على العلماء الأعلام ومشايخ الإسلام من هداة الأنام (وقد احتجّوا) أي الآخرون (في هذا القول) بأنه كلمه بلا واسطة بقوله تعالى وَما كانَ لِبَشَرٍ) أي لآدمي (أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً) كلاما خفيا يدرك بسرعة لا بتأمل وروية وهو إما بطريق المشافهة به كما وقع لنبينا صلى الله تعالى عليه وسلم أو على سبيل الهتف كما حصل لموسى عليه السلام في وادي الطور بطوى (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي كما وقع لسائر الأنبياء من الوحي الخفي ولبعض الأصفياء من الإلهام الجلي (أَوْ يُرْسِلَ) أي الله تعالى إلى البشر (رَسُولًا) من الملائكة (فَيُوحِيَ) إليه أي بالواسطة بأن يبلغ الملك الرسول من البشر (بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: ٥١] ) أي من الإحكام والإنباء وهذا الذي ذكرناه أظهر مما ذكره المصنف بقوله (فقالوا هي) أي الآية الدالة على أنواع الكلام أو مكالمته تعالى للبشر على (ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَتَكْلِيمِ مُوسَى هذا) أي أحدها (وبارسال الملائكة) الأظهر الملك بصيغة الإفراد لأن المشهور ان جبريل هو صاحب الوحي ولعل وجه الجمع أنه ما يخلو عن صحبته جماعة من الملائكة كما يستفاد من قوله تعالى عالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا (كحال جميع الأنبياء) الأولى كحال سائر الأنبياء جميعها (وأكثر أحوال نبيّنا صلى الله تعالى عليه وسلم) وهذا هو القسم الثاني قال الواحدي المفسر في قَوْلِهِ تَعَالَى وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى الآية الرسول الذي أرسل إلى الخلق بإخبار جبريل إليه عيانا وحاوره شفاها والنبي الذي تكون نبوته الهاما أو مناما فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا هذا كلام الواحدي قال النووي في تهذيبه فيه نقص في

<<  <  ج: ص:  >  >>