للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دار الأمر بين أن يبادر برمي هذه الجمرات في أول الوقت، أو يؤخره في آخر الوقت لكنه إذا أخره رمى بطمأنينة وخشوع وحضور قلب كان تأخيره أفضل، لأن هذه المزية مزية تتعلق بنفس العبادة، وما تعلق بنفس العبادة فإنه مقدم على ما يتعلق بزمن العبادة أو مكانها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافع الأخبثان)) (١) فيؤخر الإنسان الصلاة عن أول وقتها من أجل قضاء الحاجة، أو دفع الشهوة الشديدة التي حضر مقتضيها وهو الطعام، إذن إذا دار الأمر بين أن يرمي الجمرات في أول الوقت، لكن بمشقة وزحام شديد، وانشغال بإبقاء الحياة، وبين أن يؤخرها في آخر الوقت ولو في الليل لكن بطمأنينة وحضور قلب كان تأخيره أفضل، ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل، حتى لا يتأذوا بالزحام الذي يحصل إذا حضر الناس جميعاً بعد طلوع الفجر، إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز لإنسان أن يوكل أحداً في رمي الجمار عنه لقوله تعالى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) (البقرة: ١٩٦) ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فإذا تبين ذلك أيضاً وأن رمي الجمرات من العبادات، وأنه لا يجوز للقادر رجلاً أو امرأة أن ينيب عنه فيها، فإنه يجب أن يرمي بنفسه إلا رجلاً، أو امرأة مريضة، أو حاملاً تخشي على حملها فلها أن توكل.

وأما المسألة التي وقعت لهذه المرأة التي ذكر أنها لم ترم مع قدرتها فالذي أرى أن من الأحوط لها أن تذبح فدية في مكة توزعها على الفقراء عن ترك هذا الواجب.

* * *


(١) تقدم تخريجه.

<<  <   >  >>