للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والتسلسل الواجب ما دل عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب تعالى في الأبد وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيماً آخر لا نفاد له، وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرف الأزل وأن كل فعل مسبوق بفعل آخر فهذا واجب في كلامه، لأنه لم يزل متكلماً إذا شاء، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت، وهكذا أفعاله التي هي من لوازم حياته، فإن كل حي فعال، والفرق بين الحي والميت بالفعل، ولهذا قال غير واحد من السلف: الحي الفعال وقال عثمان بن سعيد: كل حي فعال، ولم يكن ربنا تبارك وتعالى قط في وقت من الأوقات المحققة او المقدرة معطلاً عن كماله من الكلام [والإرادة والفعل] .

وأما التسلسل الممكن فالتسلسل في مفعولاته من هذا الطرف، كما يتسلسل في طرف الأبد، فإنه إذا لم يزل حياً قادراً مريداً متكلماً، وذلك من لوازم ذاته، فالفعل ممكن له بوجوب هذه الصفات له، وأن يفعل أكمل من أن لا يفعل، ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه، فإنه سبحانه متقدم على كل فرد فرد من مخلوقاته تقدماً لا أول له، فلكل مخلوق أول، والخالق سبحانه لا أول له، فهو وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن.

قالوا: وكل قول سوى هذا فصريح العقل يرده، ويقضي ببطلانه، وكل من اعترف بأن الرب سبحانه لم يزل قادراً على الفعل لزمه أحد أمرين لابد له منهما، إما بأن يقول بأن الفعل لم يزل ممكناً، وإما ان يقول لم يزل واقعاً، وإلا تناقض تناقضاً بيناً، حيث زعم أن الرب سبحانه لم يزل قادراً على الفعل، والفعل محال ممتنع لذاته لو أراده لم يمكن وجوده، بل فرض إرادته عنده محال،

وهو مقدور له، وهذا قول يناقض بعضه بعضا.

<<  <   >  >>