للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال المناظر عن أولئك المتكلمين من الجهمية والمعتزلة وأتباعهم: نحن لا نسلم أن إمكان الحوادث لا بداية له، لكن نقول: إمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا بداية له. وذلك لأن الحوادث عندنا يمتنع أن تكون قديمة النوع، بل يجب حدوث نوعها ويمتنع قدم نوعها، لكن لا يجب الحدوث في وقت بعينه. فإمكان الحوادث بشرط كونها مسبوقة بالعدم لا أول له، بخلاف جنس الحوادث.

فيقال لهم: هب أنكم تقولون ذلك. لكن يقال: إمكان جنس الحوادث عندكم له بداية، فإنه صار جنس الحدوث، عندكم ممكناً بعد أن لم يكن ممكناً، وليس لهذا الإمكان وقت معين، بل ما من وقت يفرض إلا والإمكان ثابت قبله، فيلزم دوام الإمكان، وإلا لزم انقلاب الجنس من الإمكان إلى الامتناع، من غير حدوث شيء ولا تجدد شيء.

ومعلوم أن انقلاب حقيقة جنس الحدوث، أو جنس الحوادث، أو جنس الفعل، أو جنس الإحداث، أو ما يشبه هذا من العبارات، من الامتناع إلى الإمكان، هو مصير ذلك ممكناً جائزاً بعد أن كان ممتنعاً من غير سبب تجدد. وهذا ممتنع في صريح العقل، وهو أيضاً انقلاب الجنس من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي، فإن ذات جنس الحوادث عندهم تصير ممكنة بعد أن كانت ممتنعة.

وهذا الانقلاب لا يختص بوقت معين، فإنه ما من وقت يقدر إلا والإمكان ثابت قبله، فيلزم أنه لم يزل هذا الانقلاب، فيلزم أنه لم يزل الممتنع ممكناً، وهذا أبلغ في الامتناع من قولنا: لم يزل الحادث ممكناً. فقد لزمهم فيما فروا

<<  <   >  >>