للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانوا أهل القياس١.


١ الظاهر أن مذهب الكوفة انتعش في الشام حينا من الدهر، وعلة ذلك عندي اعتماده على كثرة الرواية والسماع، والشاميون "أثريون سلفيون" إلى حد بعيد، يحترمون السماع عن العرب كثيرا شأنهم في اللغة والنحو كشأنهم في علوم الشريعة، فيهم أخصب علم القراءات وهو سماع محض، ولا تنس أن أكثر أئمة البصرة والكوفة هم قراء أيضا، وعندهم أخصب فن الحديث وهو أيضا سماع محض, وبقي حيا نشيطا إلى زمن قريب، عنوا عناية بالغة به وبسماعاته وطبقات رجاله وإحصاء طرقه، ونبغ فيهم كبار الأئمة فيه، ولا تزال دار كتبهم الظاهرية بدمشق أغنى مكتبات الدنيا اليوم في فن الحديث، وكثير من مخطوطاتها بخطوط مؤلفيها المحدثين أنفسهم لا يدانيها في ذلك مكتبة في العالم. وفيها عدة دور "مدارس" للحديث ولقراءات القرآن. نزعة عرفوا بها، واستأنس إذا شئت بهذه الجملة قرأتها أخيرا في كتاب "تاريخ العرب قبل الإسلام" للباحث الفاضل جواد علي:
"يغلب على التلمود الفلسطيني طابع التمسك بالرواية والحديث، وأما التلمود البابلي فيظهر عليه الطابع العراقي الحر, وفيه عمق التفكير وتوسع في المحاكمة وغنى في المادة، وهذه الصفات غير موجودة في التلمود الفلسطيني" ١/ ٢٤. ومهما تظن من أثر لحب البلد في هذا الكلام, فما ذلك بمانعك الاستئناس به إلى حد ما، ولولا عزوفي عن التعميم وإطلاق الأحكام لشددت به ما أذهب إليه من أثرية "سلفية" بعد التثبت من صحة الحكم.

<<  <   >  >>