للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدعاء لأجل الشفاعة معتقدين أنها المقربة لهم، فبسبب هذا الاعتقاد والالتجاء أريقت دماؤهم واستبيحت أموالهم.

وقد ارسل - صلى الله عليه وسلم - بل جميع الرسل بكلمة التوحيد ليعدلهم عما هم عليه من الضلالات، وأوحيت عليهم إفراد الحق سبحانه بالألوهية، التى من أعظم خواصها هذا الالتجاء والرجاء، وألا يجعلوا الألوهية لغيره، وقد تعبدهم الله تعالى باعتقاد هذا التوحيد والعمل بمقتضى الشهادة المشتملة على التجريد والتفريد، اللذين هما حقيقة التوحيد. فهذا الالتجاء بطلب الشفاعة ورجائها عبادة لا تصلح إلا له عز وجل، وإنها من صرف حقوقه تعالى ومن الشرك (١) .

(فإن قلت) : إن المشركين كانوا يعبدونهم ونحن لا نعبدهم؟

(فالجواب) : أن عبادتهم هي هذا الالتجاء الذى انت فيه، وكما أنك تدعو النبي - صلى الله عليه وسلم - الذى بعث بإخلاص الدعوة لله تعالى، وحاشاه أن يرضى بذلك ولا يرضيه إلا ما يرضى ربه من التوحيد - فإنه عليه الصلاة والسلام قد أمر بإخلاص العبادة، ونهى عن الشرك، وحذر وبصر، وأرشدك وبلغ، ونصح الأمة، وأزل عنا الغمة، فهدانا إلى السبيل المستقيم، وتدعو غيره ملتجئاً إليهم بطلب الشفاعة منهم. كذلك الأولون كانوا يدعون صالحين وانبياء ومرسلين، طالبين منهم الشفاعة عند رب العالمين، كما قال تعالى: {ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} فبهذا الالتجاء والتوكل على هذه الشفاعة والرجاء أشركوا.

(فإن قلت) : إن الأولين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وينكرون البعث، ويجعلون القرآن سحراً.


(١) كذا في الأصل.

<<  <   >  >>