للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ج- أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبين له الصلاة الصحيحية حتى سأل عنها بنفسه، فكان هذا الأسلوب أوقع في نفس المتعلم، وأدعى إلى قبوله، وانطباع أعمال الصلاة في ذاكرته.

ومن التعلم بالعمل والممارسة: تعلم الصحابة وضوء الرسول صلى الله عليه وسلم، وتصحيح الرسول لهم أو تصحيح بعضهم لبعض، وقد نقلت إلينا كتب الحديث جانبا من هذه الأساليب التربوية، منها على سيل المثال عن عثمان بن عفان: أنه دعا بماء فتوضأ، ثم ضحك فقال لأصحابه: ألا تسألونني ما أضحكني؟ فقالوا: ما أضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كما توضأت ثم ضحك، فقال: "ألا تسألونني ما أضحكني"، فقالوا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: "إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه، حط الله عنه كل خطيئة أصابها بوجهه، فإذا غسل ذراعيه كان كذلك، وإذا طهر قدميه كان كذلك". رواه أحمد بإسناد جيد، وأبو يعلى، ورواه البزار بإسناد صحيح وزاد فيه١، "فإذا مسح رأسه كان كذلك".

وفي هذا الحديث قول عثمان: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ كما توضأت"، وهذا هو التعليم بالمتابعة والعمل والممارسة والاقتداء العملي.

وفيه أيضا تمثيل عملي للناحية العاطفية: أي تمثيل أقوال الرسول، وانفعالاته كالضحك، وقد يتابع الصحابي على ذلك سائر الرواة، فيضحك كل راو ليقول لتلاميذه الرواة: "ألا تسألوني ما أضحكني؟ " ويتوضأ أمامهم ليقول لهم: رأيت فلانا توضأ وقد رأى فلانا توضأ.. كما توضأ رسول الله..

وهذا النقل لحركات الرسول راويا عن راو قد جمعت فيه أحاديث سميت بالأحاديث المسلسلة٢.

فهذا أسلوب من أساليب التربية الإسلامية، ترك أثره واضحا عند بعض علماء الحديث، فلم يكتفوا بحكاية أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم بل قلدوا لنا أعماله وحركاته.

وفيه عبرة للمربي، وأن عليه أن يتوضأ، مثلا، أمام طلابه وضوءا سابغا وهم


١ نقلت الحديث من الزيادة من الترغيب والترهيب لعبد العظيم المنذري ١/ ٧٧، ط دار إحياء الكتب العربية بمصر.
٢ منها للشيخ عبد الحي الكتاني ولغيره.

<<  <   >  >>