للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك قال الفقهاء، وعلماء الأصول: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب".

ومن ذلك كانت مرونة الشريعة الإسلامية، وحيويتها، وقدرتها الدائمة على العطاء، وإصدار الأحكام في أحلك الظروف وأصعبها، وتقديم العلاج لكل داء اجتماعي، أو نفسي.

ومن هذه المرونة نشأت مرونة عقل المسلم، وقدرته النادرة على حسن المحاكمة والاستدلال؛ لأنه يتعلم ذلك منذ أن يحفظ في طفولته آيات القرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ويفهمها، فيفكر في تطبيقها على واقعة، فإذا كانت الآية أو الحديث قاعدة عامة، حصل القياس، أو ما يسميه المناطقة بـ"الاستنتاج"، وقام به العقل دون تصنع أو عناء.

لو قرأ الطفل مثلا قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ٣/ ١٨٥] ، وفهم معناها، ثم سئل عن نفسه "ما مصيرها على ضوء هذه الآية؟ " لربط نفسه بمصير كل النفوس، ولطبق حكم هذه الآية العام على حالته الخاصة، أو حالة قريب له كان قد توفي من قريب أو بعيد.

٤- الشريعة تخرج شعبًا متحضرًا حضارة راقية.

وفهم الشريعة الإسلامية يحتاج إلى تعلم القراءة والكتاة، وإلى تلاوة القرآن، وتدبر أحكامه ومعانيه، وإلى تعلم الحساب "لعلم الفرائض"، والتاريخ "لفهم السيرة وآيات الجهاد"، وإلى معرفة جغرافية الجزيرة العربية، وغيرها، لمعرفة مواطن الأقوام البادئة الذين عذبهم الله كقوم شعيب أهل "مدين"، وقوم عاد وغيرهم ممن تجبروا في الأرض، وعتوا عن أمر ربهم، وكقوم فرعون في مصر.

وقد حض القرآن على التفقه في الدين وتعلم الشريعة، فقال تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ٩/ ١٢٢] .

وقد جمعت هذه الآية مطلبين: التعلم والتعليم، فكان من خصائص هذه الشريعة، توسيع الآفاق الفكرية، وتثقيف العقل البشري، والحض على طلب

<<  <   >  >>