للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

"ويشمل ظروف أداء المقال + القرائن الحالية". ومعنى اشتمال "المعنى الدلالي" وهو قمّة تحليل المعنى اللغوي على كل هذه العناصر, أنّ كل دراسة تحليلية سبقت في هذا الكتاب تتجه أساسًا إلى المعنى كما ذكرنا لك في المقدمة سواء في ذلك النظام الصوتي والنظام الصرفي والنظام النحوي والظواهر الموقعية والمعجم وتحديد المقام, ثم ما يرتبط بكل ذلك من قرائن حالية أو مقالية كإشارة اليدين وتعبيرات الملامح وغمزات العينين ورفع الحاجب وهز الرأس وجميع الحركات العضوية مما يعتبر قرائن حالية في أثناء الكلام, ثم التعبيرية بخوالف الأصوات وبالتأفف والفحفحة والتأوه وأصوات الشفتين المختلفة, مما يعتبر من القرائن المقالية في أثناء الكلام أيضًا.

وقد يتوقّف المعنى الدلالي أحيانًا على الوظائف التحليلية كدلالة الحرف باعتباره "مقابلًا استبداليًّا" يؤثر عدم وضوحه على المعنى, فإذا نادى المزكوم الشديد الزكام على شخص يدعى "مأمون" فهذا مظنّة لسوء الفهم. فالمعروف أن الميم تتفق مع الباء في المخرج, ولكنها تختلف عنها من حيث توجد الغنة في الميم ولا توجد في الباء, وغنة الميمن يمكن نطقها في الأنف الصحيح ويتعذر نطقّها في الأنف المزكوم, وحين تتعذَّر الغنة تصير الميم إلى الباء, ومن ثَمَّ يصير النداء "يا بأبون", ولما كانت الباء الأولى واقعة في مقطع غير منبور, وكانت الثانية بداية مقطع وقع عليه النبر كما عرفنا من القواعد التي ذكرناها في حينها, أصبحت الباء الأولى غير واضحة في السمع كوضوح الباء الثانية, وأصبحت الباء الثانية أوضح أجزاء الكلمة في النطق. وهذا هو مناط اعتماد المعنى الوظيفي؛ لأن الميم الأولى لم تتضح في السمع فبقيت وظائف موقعها كما هي, وتفترض الأذن خطأ في هذه الحالة وجود الميم الأولى على حالها, ولكن الميم الثانية اتضحت في الأذن على صورة الباء, فإذا غضب المنادي لظنه أنه نودي "يا مأبون" فذلك دليل اعتماد المعنى الدلالي على الوظيفة التي تناط بالحرف باعتباره "مقابلًا استبداليًّا".

وأما قيمة الظاهرة الموقعية في السياق فتبدو عند التأمل في كلمة "الأمان", وتحديد المقصود من الهمزة في البداية أهي همزة قطع فتكون الكلمة مثنى "ألأم", أم هي همزة وصل وتكون الكلمة كلمة "أمان" ألحقت بها أداة

<<  <   >  >>