للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[نداء المجهول والأدب الواقعي]

لا أريد أن أتعجل القول عن تيارات أدبنا الحديث؛ لأني شديد الحذر من كل تعميم لا يصدر عن استقصاء. وهأنا أقصر القول على كتاب واحد كل مؤلف، ومع ذلك فإنني كلما عاودت النظر في الكتب الأخرى لأدبائنا الذين أتحدث عنهم وجدت أننا لا نبعد كثيرا عن الصواب عندما نحاول استخلاص اتجاه كل منهم من الكتاب الذي ننقده، بل أظن أنه باستطاعتنا أن نرسم منذ اليوم تخطيطا عاما لمذاهب أدبائنا.

وللنظرة الأولى يبدو أن لدينا في القصة الاتجاه التاريخي الذي ابتدأه جرجي زيدان، وجاء فريد أبو حديد فجدد من معناه وحدد من وسائله وأوشك أن يخلقه خلقا جديدا في "الملك الضليل" و"زنوبيا"، وتبعه في ذلك شاب ينبعث عنه الأمل هو على أحمد باكثير كاتب "أخناتون" و"سلامة القس" و"جهاد" التي نالت إحدى جوائز وزارة المعارف، والقصة التحليلية تمثلها "سارة" للعقاد، ثم أدب الفكرة الذي يصدر عنه توفيق الحكيم، ومنحى طه حسين الذي يتميز بموسيقاه وتدفق عواطفه، وأخيرا لدينا الأدب الواقعي الذي برع فيه محمود تيمور.

وهذه بعد اتجاهات عامة لا نزعم أن بينها فواصل قاطعة، فقد يكون في القصة التاريخية تحليل دقيق، وقد يكون في أدب الفكرة شخصيات واقعية، وقد يجتمع النفاذ النفسي إلى انهمار الإحساس، بل قد لا يخلو واقع تيمور من نغمات الشعر، ولكنني رغم ذلك مطمئن إلى التقسيم إن لم يكن بد من التحديد العام. وأنا أرى بعد فيه نفعا؛ إذ قد يساعد الكتاب والقراء على التحمس لهذا المذهب أو ذاك والدفاع عنه والاقتتال في سبيله، مما يجدد أدبنا ويوضح سبله.

وهأنا اليوم أعرض "نداء المجهول" كنموذج دقيق للأدب الواقعي، وأنا أقدر أن القارئ قد يصيح به: رويدك! لقد ضللت الطريق، "فنداء المجهول" لست قصة واقعية، وكتابها وإن يكن قد عُرف بقصص الواقع فقد تجدد فنه وكتب هذه القصة من نوع جديد. هذه قصة أسرار، قصة مغامرات، نداء المجهول، فأين هذا من الواقع؟ ومتى كان المجهول واقعا؟

<<  <   >  >>