للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[زهرة العمر وحياتنا الثقافية]

١- حمل إلى البريد أمس الكتاب الجديد لتوفيق الحكيم، وهو عبارة عن مجموعة "رسائل حقيقية" كتبت بالفرنسية في ذلك العهد الذي يسمونه "زهرة العمر" وهي موجهة إلى المسيو أندريه، الذي جاء وصفه في "عصفور من الشرق". وقد بدأ الصديقان يتراسلان بعد مغادرة أندريه باريس للعمل في مصانع "ليل" بشمال فرنسا، واستمرت المراسلة إلى ما بعد عودة الحكيم إلى مصر والتحاقه بالسلك القضائي، ثم انقطعت بينهما الرسائل والأخبار وانتهى كل شيء، وجرفهما تيار الحياة كلا في واديه١.

وأما موضوع الرسائل فحياة توفيق الحكيم حياته الفنية: جهاده في تحصيل الثقافة من منابعها الحقة، ومحاولاته في سبيل الخلق الفني، وخواطره في قيمة ما يعمل، وخصائص ما ينتج، ولمحات كثيرة عميقة عن التربية الفنية، ووسائل تلك التربية من تفكير وفن وأدب ورثناها عن الغرب والشرق.

لقد انشرح صدري بهذا الكتاب. وأنا بعد لست بغافل عما يمكن أن يكون في هذا الانشراح من عامل الأثرة، فلقد مرت بي أيام شديدة الشبه بما يقص الحكيم، وفي النفس إيمان بكثير من القيم التي أفنى الكاتب في سبيلها زهرة حياته.

والناقد مهما حاول أن ينحي نفسه عما ينقد لا بد مستجيب لتلك النفس الآمرة في الجهر والخفاء، ولكنني مع ذلك قد أدركت في وضوح أن هذا الكتاب أوسع أفقا وأعمق أثرا من حياة الحكيم وما يشابهها من حيوات. إنه مرحلة من مراحل حياتنا الروحية الثقافية، مرحلة أعتقد أنه سيعيننا على اجتيازها، لا بمادتها، فالأمم لا ينقلها كتاب، مهما غزر تفكيره، بل بتوجيهه، سيجتاز تلك المرحلة من قادة الفكر عندنا من يؤمنون بصدق هذا التوجيه ثم يسايرون خطاه.


١ مقدمة الكتاب.

<<  <   >  >>