للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مناهج النقد - تطبيقها على أبي العلاء]

[الأدب ومناهج النقد]

[النقد الذاتي والنقد الموضوعي]

...

[الأدب ومناهج النقد]

البحث عن الحقائق في الإنسانيات شاقٌّ؛ لما هو واضح من أن مثل المرء عندما يحاول فهم نفسه كمثل العين تبغي رؤية نفسها، والنفوس بها وحدات قل أن تتشابه في غير جوانبها العامة التي لا تعني الأدب في شيء، ومثلها في ذلك مثل كل الكائنات، فأنا أعرف شجرة الزيتون أو شجرة الرمان، وأما مطلق شجرة فهذا ما لا أكاد أدركه، وبالمثل أعرف شكسبير أوجيته، وأما مطلق رجل فذلك ما لا وجود له في الواقع؛ بحيث يخيل إلَيَّ أن في تفكيرنا فسادا أصيلا، مصدره ذلك التجريد الذي مكنتنا منه ألفاظ اللغات.

ولهذا أراني دائما شديد الحذر من كل تعميم، فقد أستطيع أن أطمئن إلى تصوير أديب ما لنفسية ما في رواية ما، ولكني أرفض أن أثق بما يقوله الفلاسفة أو علماء النفس عن الإنسان إطلاقا أو ملكة من ملكاته؛ لأني أحس دائما أن حديثهم لا يلقى حقيقة أي نفس ممن أرى حولي.

وإذا صح أن النفوس وحدات غير متشابهة في خصائصها المميزة، وأن التجريد حيلة عقلية، وضح ما في البحث عن حقيقة الأدب وقيمه الفنية من صعوبات.

[النقد الذاتي والنقد الموضوعي]

يقرأ الناقد القصيدة من الشعر ثم يتساءل عن رأيه فيها، وإذا به يصدر ألوانا من الأحكام يسمون بعضها "قيمية" وهي ما تدور حول الجودة وعدمها، في سلم للقيم يضعه كل ناقد لنفسه، وبعضها "واقعية" يستمدها من حقيقة ما ينقد، كوصفه للقصيدة بأنها شعر عقلي أو عاطفي أو حسي، وأحكامه في كلتا الحالتين إما أن تكون مطلقة وإما أن تكون نسبية، أي مردودة إلى ملابسات القصيدة، من حالة نفسية لقائلها أو ظروف خاصة بعصره أو ضرورة لموضوع الشعر، أو ما شاكل ذلك مما ينقل الحكم من الإطلاق إلى النسبية.

فإذا كان رأيك عن "قيمة" القصيدة كانت أحكامك "مطلقة" جاء نقدك -فيما يقولون- نقدا ذاتيا، وإلا فهو موضوعي.

<<  <   >  >>