للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن قوله -صلى الله عليه وسلم: "إن الدين يسر, لن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة". "صحيح البخاري".

وفيما يلي موقفان عمليان يضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيهما مثلا للاعتدال في العمل للحياتين الدنيا والآخرة، عن أنس بن مالك قال:

جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم- فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم؟ فقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. وقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبدا, وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر, وقال الآخر: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ وأما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد وأتزوج النساء. فمن رغب عن سنتي فليس مني". "صحيح البخاري".

وعن أبي جحيفة وهب الله بن عبد الله رضي الله عنه عن أبيه قال: آخى النبي -صلى الله عليه وسلم-بين سلمان وأبي الدرداء. فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أم الدرداء متبذلة فقال: ما شأنك؟ فقال: أخوك أبو الدرداء ليس له حياة في الدنيا. فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال له: كل فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل فأكل. فلما كان الليل, ذهب أبو الدرداء يقوم فقال له: نم، فلما كان آخر الليل قال سلمان: قم الآن، فصليا جميعًا. فقال سلمان: إن لربك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكر ذلك له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم: "صدق سلمان". "صحيح البخاري".

وهكذا تعمل التربية الإسلامية على ترسيخ كل من الحياتين الدنيا والآخرة في وجدان المسلم، وأن يجعل لكل منهما نصيبًا مفروضًا في عمله في الحياة الدنيا، وأن يحافظ على التوازن بينهما، فلا ينبغي أن تستقطبه الحياة الدنيا بما فيها من ملذات وشهوات وإغراءات، فتجرفه إلى مخالفة منهج الله. كما لا ينبغي أن يستولي عليه العمل للآخرة فيعطي وقته كله أو جله للعبادة على حساب السعي في مناكب الأرض, وطلب الرزق والعمل على إصلاح أحوال المسلمين، والتمتع بما أحل الله له.

<<  <   >  >>