للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلمي بالتهييج. فنقص العلم في العبارة يعوض بالنفخ في مضمونها، وبالحدة في إخراجها والتهويل في المعلومات والواقع، وبالأحكام المتسرعة، وبالحط من قيمة العلماء. "٢، ١٤".

والتركي -بهذا القول- يصف البلاء الذي وقع في بلاد المسلمين هذه الإيام، حيث تجرأ على الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غير المؤهلين لها، ونظرًا لضعف إعدادهم ونقص تأهيلهم لجئوا إلى الاستخفاف بالعلماء وتسفيه آرائهم، وإلى إثارة عواطف الناس ضد المجتمع وعلمائه وولاة الأمر فيه، وأخذوا يكفرون من يكفرون ونصبوا أنفسهم ولاة للأمور.

والشرط الثاني في الأهمية بالنسبة لمن يتصدى لواجب الدعوة إلى الله والأمر باتباع منهجه والنهي عن مخالفته، أن يكون الداعية قدوة عملية لما يقول: فلا يرجى لإنسان أن يقنع أحدًا بعمل أمر ما، وهو شخصيا يخالفه، وقد نهى الله عن ذلك بقوله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف: ٣] .

والإسلام منهج عمل وأسلوب حياة، ومن أهم أساليبه التربوية، القدوة. قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١] .

وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} [الممتحنة: ٤] .

وقال الهادي البشير -صلى الله عليه وسلم: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه فيدور بها في النار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النار فيقولون: يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: بلى، قد كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه". "رواه البخاري ومسلم".

وهناك شروط كثيرة أخرى في من يتصدى لواجب الدعوة لا مجال لذكرها هنا. وتتعلق هذه الشروط بالصفات الشخصية والأخلاقية, والإعداد العلمي والثقافي والمهني, واكتساب مهارات الاتصال وتقانتها, والإلمام بمشكلات المجتمعات مجال الدعوة ولغتها وواقعها الثقافي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلى غير ذلك من الشروط التي لا يتسع المجال هنا لتناولها.

مما سبق يتبين أن الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص المجتمع المسلم التي تعمل على وقاية أبنائه من الانحراف عن الجادة، كما تسهم في علاج المشكلات التي قد تظهر فيه سواء أكانت هذه المشكلة تتعلق بالأفراد أم بالجماعات والمؤسسات أم بغير ذلك. ومن هنا فإن مخططي المناهج الدراسية ينبغي أن يعنوا عناية كبيرة بهذه الخاصة عند اختيارهم لخبرات هذه المناهج وعند تنظيمها.

<<  <   >  >>