للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للعلم، كما بيناها في الفصل الرابع. فلا بد أن يقر في قلب المتعلم المسلم -بغض النظر عن مستواه الدراسي أو مجال التخصيص- أن العلم كله من عند الله، وأنه لا ينفد، وأن منه الموحى به ومنه المكتسب، وأن اليقيني منه لا يتعارض مع حقائق الكون. فالوحي نزل بكتاب الله والكون من خلق الله، ومن ثم لا يمكن أن يتعارضا في شيء، وأننا نحن المسلمين مطالبون بتحصيل العلم وبذل أقصى الطاقة في ذلك، وأننا نثاب على هذا إذا ما أخلصنا النية لله وحصلنا العلم بما يرضي الله, وطبقناه فيما يرضي الله، سبحانه وتعالى.

هذه الخصائص وغيرها مما ذكرنا في الفصل الرابع تتسق مع التوجيه الإسلامي، وتقي المتعلم من التلوث الفكري الذي يتسرب إليه من الأفكار التي تتعارض مع التوجيه الإسلامي. وقد سبق أن بينا في الفصل الثالث خصائص التربية الإسلامية, وأكدنا على ضرورة عناية مخططي المناهج الدراسية بهذه الخصائص.

فعندما يعمل مخططو المناهج على تحقيق خصائص التربية الإسلامية، إضافة إلى تحقيق خصائص العلم. فإن المتعلم يجد اتساقًا وتناغمًا في الخبرات التي يقدمها إليه المنهج الدراسي. الأمر الذي يساعده على استيعاب هذه الخبرات التي يقدمها إليه المنهج الدراسي. الأمر الذي يساعده على استيعاب هذه الخبرات وتمثلها. ويدفعها إلى الإيمان بها فضلًا عن أنها تسهم في تربيته تربية إسلامية.

ويساعد التوجيه الإسلامي للعلوم على وقاية المتعلم من التلوث الفكري. فما يحدث في كثير من مدارسنا هو أننا نقدم العلوم على أنها نتاج فكر العلماء وإبداعهم، أي: أننا نقدم علما منقطع الصلة بالله، ونحصر الهدف من تحصيل العلم في الهدف النفعي وهنا نستبعد -مرة أخرى- صلة تحصيل العلم بعبادة الله سبحانه وتعالى- ونقدم العلماء على أنهم أناس أفذاذ العقول قدراتهم الإبداعية هي التي مكنتهم من الإبداع والابتكار، ولا نذكر أن لله هو الذي وفقهم إلى ما أنجزوا, وأنهم مكرمون عند الله إذا اتبعوا أوامره ونواهيه في إبداعاتهم وابتكاراتهم، فإيضاح الصلة بين توفيق الله سبحانه وتعالى من ناحية وبين العلم والعلماء من ناحية أخرى، يسهم في التوجيه الإسلامي للمناهج كما يسهم في حماية أبناء المسلمين من التلوث الفكري.

وباب آخر واسع للتلوث الفكري نفتحه على أبنائنا, حين ندرس ما يناقض تعاليم الإسلام. وسأضرب هنا مثلًا بسيطًا من مناهج مدارسنا الابتدائية يتعلق بمناهج التربية الإسلامية والرياضيات، فمدرس التربية الدينية يعلم المتعلم أن الربا محرم في الإسلام، ويعلمه معلم الرياضيات -ربما في الحصة التالية- ما يتناقض مع هذا تمامًا, حين يدرس الفائدة البسيطة والفائدة المركبة في البنوك، وهي فائدة مقطوعة مقدمًا. أي: إنها ربا بواح، وحيث إن ما يعلمه معلم الرياضيات يشهده المتعلم في المجتمع، يصبح ما يعلمه معلم التربية الإسلامية الدينية -في نظر المتعلم- تاريخًا انقضى عهده مضى وزمنه، وما كان لهذا التناقض أن يحدث لو أننا حرصنا على توجيه مناهج الرياضيات توجيهًا إسلاميا.

للأسباب السابقة، فإن الحرص على توجيه المناهج الدراسية توجيها إسلاميا بدءا من اختيار خبراتها أمر مهم, يقع على عاتق مخططي هذه المناهج ومطبقيها.

<<  <   >  >>