للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويلاحظ أن كثرة الحديث عن التقدم العلمي والتقني وأثرهما على الحياة، أصبح قولًا مكرورًا، ومن ثم لم يعد يشد الانتباه عند البعض. هذا رغم أن آثاره مشهودة وفعاليته في تقدم الأمم غير منكورة. لذلك، قد يكون مفيدًا أن يقدم المؤلف للقارئ ما اطلع عليه عن تقانة التبريد. وهذا رغم أنه مجرد مثال عن تأثير التقانة فإنه مثال مبين. يقول كاتب المقال بعنوان: "رحلة البحث عن الأبدية في الخلايا": عندما عرض المتطوع الطيار الشاب مكورماك McCormac نفسه للتجربة السرية، في قسم التبريد والمعالجة الطويلة الأمد بأحد المختبرات العسكرية الأمريكية، تحت العزل المطبق عام ١٩٣٩م عشية نشوب الحرب العالمية الثانية، على أن يدوم الاختبار لمدة سنة واحدة فقط، لم يخطر في بال ذلك الطيار، أنه سينام في التابوت المبرد حتى عام ١٩٩٢م، في غيبوبة رهيبة لفترة تزيد عن نصف قرن. وعندما استيقظ الشاب المنسي في قاعة مهملة من مستودعات الجيش الأمريكي، من تابوت اختبار التبريد المديد، انتفض جسد الشاب يرتعش من البرد القطبي الذي كان غاطسًا فيه، ليرى العالم قد تغير، فأصبح جديدًا، ونشأة مستأنفة، وعالمًا مستحدثًا "٥، ٢٤".

ولكن المفاجأة في هذه التجربة أنها لم تختصر له الزمن، ففي خلال فترة قصيرة، بعد نهوضه من مرقده، بدأت تهو d خلاياه من جديد وباتجاه متسارع رهيب، لتعوض كل السنوات بسرعة أيام وساعات، فهو الذي ولد عام ١٩٠٧م ونهض في عام ١٩٩٢م بعد ثلاث وخمسين سنة، من المفروض أن تتسارع خلاياه بسرعة لتلحق بالشيخوخة، حتى يصبح في فترة قصيرة لا تتجاوز العام الواحد شيخًا عجوزًا في الخامسة والثمانين، يجر أقدامه المتعبة من طول الأيام وكر السنين، وهكذا فالتبريد لم يجدد الخلايا، ولم يحافظ عليها في وضع الشباب إلا لشهور معدودة، وكل ما فعله التبريد أنه أوقف التسارع، فلما استيقظ الرجل من نومة أهل الكهف، هرعت الخلايا عائدة إلى ذاكرتها المخدرة، لتعوض الوقت الطويل الذي مر، والتخلف الذي عاشت فيه، فإذا به في فترة قصيرة وقد تيبست مفاصله، وتراجعت حيويته، واشتعل رأسه شيبًا، وتجعد جلده، وتغضنت قسمات وجهه، وبدأ ظهره في التقوس، حتى خلاياه أظهرت وضعًا حير الأطباء، فشكله كان شبابًا ولكن صبغة الدم كان تشير إلى مرض البرغريا Progeria ففي هذا المرض تصاب الخلايا بالتسارع "٥، ٢٥".

ويذكر كاتب هذا المقال، أن القارورة الواحدة "من الخلايا الحية" يمكن أن تبقى محفوظة بنصف حياة في درجة الحرارة هذه مائة قرن بالتمام والكمال، فإذا كشف الغطاء بعد عشرة آلاف سنة كان حوالي نصفها ما زال على قيد الحياة، ويمكن أن يتابع مسيرة الحياة مرة أخرى بكل عنفوان "٥، ٢٩".

<<  <   >  >>