للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إسعاف المبطأ برجال الموطأ:

للحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة ٩١١هـ:

ومؤلف هذا الكتاب أيضًا هو الإمام الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى سنة إحدى عشرة وتسعمائة.

وكتابه إسعاف المبطأ برجال الموطأ كتاب قيم موجز، تناول فيه الرواة الذين وردت أسماؤهم في الموطأ من شيوخ الإمام مالك بن أنس رضي الله تعالى عنه إلى نهاية السند.

وهذا الإيجاز في كتب السيوطي فن غالب عليه في تأليفها، يتمثل فيه مقالة العربي: "يضع الهناء مواضع النقب" فهو حكيم يضع كل كلمة في موضعها بميزان، ولا يكتبها إلا إذا دلت على معنى لا يستفاد بغير ذكرها، ويترك ما لا يحتاج إليه، في غير ترادف -عند الذكر- في مفرد أو جملة.

قدم السيوطي لكتابه بمقدمة نوه فيها بالإمام مالك رضي الله تعالى عنه، وأنه لا يأخذ إلا عمن يصلحون للأخذ عنهم، لا من زاوية العدالة فقط، بل لا بد أن يتحقق مع العدالة معنى الضبط واليقظة، حتى إن مالكًا سئل عن ثلاثة من الرجال فأطرق ثم رفع رأسه وقال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله -وكان كثيرا ما يقولها- ثم قال للسائل أدركت هذه المسجد وفيه سبعون شيخًا ممن أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عن التابعين، ولم نحمل العلم إلا عن أهله١.

ثم ذكر صورًا كثيرة تدل على هذا المعنى في مالك رضي الله عنه، وكان في آخر ما نقله عنه أن وهبًا سمع مالكًا يقول: لقد رأيت بالمدينة أقوامًا أو استسقي بهم القطر لسقوا، وقد سمعوا من الحديث والعلم شيئًا كثيرًا، وما أخذت عن واحد منهم، وذلك أنهم كانوا قد ألزموا أنفسهم خوف الله والزهد، وهذا الشأن -يعني الحديث والفتيا- يحتاج إلى رجل معه تقى وورع وصيانة وإتقان وعلم وفهم، ويعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليها غدًا في القيامة، فأما زهد بلا إتقان ولا معرفة فلا ينتفع به، وليس هو بحجة، ولا يحمل عنهم٢ لعلم، وقال معن بن عيسى: سمعت مالكًا يقول: كما من أخ لي بالمدينة أرجو دعوته ولا أجيز شهادته.

وتخير السيوطي لهذه المقدمة بما فيها من بيان منهجه على جهة الإطناب، والتي قد تكون طويلة بالنسبة لحجم الكتاب نفسه ربما يكون قد استغنى بها عن شيء كثير جدًّا مما يورده في أوصاف الرجال الذين أرخ لهم في كتابه، فإن فيها تزكية عامة لشيوخ مالك رضوان الله عليه.


١ إسعاف المبطأ ص٢.
٢ إسعاف المبطأ ص٤.

<<  <   >  >>