للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[باب سنن العرب في حقائق الكلام والمجاز]

نقول في معنى الحقيقة والمجاز:

إن "الحقيقة" من قولنا: "حَقَّ الشيء" إذا وجب. واشتقاقه من الشيء المحقَّق وهو المُحْكَم، تقول: ثوب محقَّق النَّسْج أي مُحْكَمُه. قال الشاعر:

تَسرْبلْ جِلدَ وجهِ أبيك إنّا ... كَفيناكَ المحقَّقَةَ الرِّقاقا١

وهذا جنس من الكلام يُصدِّق بعضُه بعضاً من قولنا: "حَقٌّ وحقيقة. ونصُّ الحِقاق". فالحقيقة: الكلام الموضوع موضِعَه الذي ليس باستعارة ولا تمثيل، ولا تقديم فيه ولا تأخير، كقول القائل: "أحمدُ اللهَ على نِعَمِهِ وإحسانه". وهذا أكثر الكلام. قال الله جلّ ثناؤه: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} ٢ وأكثر ما يأتي من الآي على هذا. ومثله في شعر العرب٣:

لَمالُ المرءِ يُصْلحِهُ فيَغْنى ... مفاقِرَه أعَفُ من القُنوعِ

وقول الآخر:

وفي الشرِّ نَجَاةٌ حِـ ... ـينَ لا يُنْجيكَ إحْسانُ

وأمّا "المجاز" فمأخوذ من "جازَ، يَجُوزُ" إذا استنَّ ماضياً تقول: "جاز بنا فلان. وجازَ علينا فارِس" هذا هو الأصل. ثم تقول: "يجوز أن تفعلَ كذا" أي: يَنْفُذ ولا يُرَدُّ ولا يُمْنَع. وتقول: "عندنا دراهم وَضَح وازِنَة وأخرى تَجُوزُ جَوَازَ الوازِنَة" أي: إن هذه وإن لم تكن وازِنة فهي تجوز "مجازَها" وجوازها لِقْربِها منها. فهذا تأويل قولنا: "مجاز" أي: إن الكلام الحقيقيّ يَمْضي لِسَنَنَهِ لا يُعْتَرض عليه،


١ لسان العرب: مادة "حقق" بلا عزو. والمقاييس: مادة "حق".
٢ سورة البقرة، الآية: ٤.
٣ ديوان الشماخ: ٢٢١.

<<  <   >  >>