للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وليس إنزال هذا الأذى بالجاني هو الهدف في حد ذاته، وإنما هو وسيلة لغاية، وهدف عظيم نبيل.

ذلك أن العقاب يهدف إلى دفع المفسدة، وعلاج المتلفة التي لحقت بنفس الجاني وأصابت فكره، وظهر أثرها في سلوكه، وعليه فإن ما ينزل بالجاني من عقاب بألوانه المتعددة، والمتغايرة ما هو في حقيقته إلا علاج لما أصاب فكر الجاني، وانقاد لنفسه مما لحق بها من فساد، وحماية لمجتمعه، وأمان لمن يعايشهم، وعلاج الجاني بمثل ما وضع من عقاب، وإن كان يلحق به إيلاما وضررًا إلا أنهما ضروريان لتحقيق النفع له، وإنقاذ مجتمعه، فالعقاب لا يؤمر به لكونه عقابًا في حد ذاته فقط، وإنما؛ لأنه يحقق المنافع ويؤدي إلى المصالح، مثله في ذلك مثل قطع الأيدي المتآكلة حفظًا للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد صيانة للمبادئ، والأوطان وإعلاء للحق والفضيلة.

كل ذلك من قبيل ما يقوم به الطبيب حين يدفع أعظم المرضين بالتزام بقاء أدناهما، فالطبيب في فعله هذا كالشرع الذي وضع العقاب ليحقق السلامة، ويدرأ الأضرار والأسقام١.

ففي ذلك كله الصحوة والشفاء للجاني، والراحة والأمان للأمة، وصون حماية للدين والعرض والنفس، والمال والفضلية والأخلاق.

وقد يتساءل البعض كيف تتحقق الرحمة، والنفع مع العقوبات الحدية من جلد من ملأ من الناس، أو قطع للأيدي والأرجل، أو رجم حتى الموت أو قصاص مع ما فيه من إزهاق للروح، وقضاء على الحياة؟.


١ يراجع "عز الدين عبد السلام" القواعد الكبرى ج١ ص١٢.

<<  <   >  >>