للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٤- وطء المرأة المستأجرة:

ذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن من استأجر امرأة ليزني بها، ثم فعل بها ما استأجرها من أجله، فإنه لا حد عليه.

لأنه قد استوفى منها ما استأجرها من أجله، والإجارة عقد تقوم به الشبهة عنده، ويترتب على قيام هذه الشبهة درء العقوبة الحدية.

واستدل الإمام أبو حنيفة لذلك، بما روي عن عمر -رضي الله تعالى عنه- من أن امرأة استسقت راعيًا، فأبى أن يسقيها حتى تمكنه من نفسها، فدرأ عمر -رضي الله تعالى عنه- الحد عنهما.

وبأن امرأة سألت رجلًا مالًا، فأبى أن يعطيها حتى تمكنه من نفسها، فدرأ الحد، وقال: هذا مهرها.

ويعلق الإمام أبو حنيفة على هذا بقوله: ولا يجوز أن يقال: إنما درأ الحد عنها؛ لأنها كانت مضطرة تخاف الهلاك من العطش؛ لأن هذا المعنى لا يوجب سقوط الحد عنه.

وهذا المعنى غير موجود فيما إذا كانت سائلة مالًا ذكرنا في الحديث الثاني، مع أنه علل نقل: أن هذا مهر، ومعنى هذا أن المهر، والأجر يتقاربان١.

أما جمهور الفقهاء، فإنهم لم يرتضوا ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة، وألزموا من استأجر امرأة ليزني بها، وفعل بها ما استأجرها له العقوبة الحدية.

وذلك؛ لأن عقد الإجارة لا يستباح به البضع، فصار كما لو استأجرها للطبخ ونحوه من الأعمال، قال أبو حنيفة: لو استأجرها لمثل هذه الأعمال، وزنى بها لزمه الحد.

فعقد الإجارة لا أثر له في استباحه ذلك، ولا يورث شبهة، فصار كما لو اشترى خمرًا فشربها.

ولأن محل الاستئجار منفعة لها حكم المالية، والمستوفي بالوطء


١ المبسوط ج٩ ص٥٨، فتح القدير ج٥ ص٢٦٢.

<<  <   >  >>